حاجة ملحة

  • 198

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،،
جاءت ثورة 25 يناير وانبعثت الآمال فى نفوس الكثير من المصريين لتحقيق طموحاتهم كلٌّ على حسب معاناته السابقة وأيديولوجيته الفكرية فرُفعت شعارات وأقيمت حملات فى ربوع مصر هنا وهناك وأجريت استفتاءات و انتخابات برلمانية ورئاسية وقد فاز بأغلبها التيار الإسلامى الذى راهن على حب غالبية الشعب لدينه وثقته برحمة الإسلاميين بهم وأمانتهم فى حمل هذه التركة الثقيلة التى تركها نظام مبارك ورفع المعاناة الحياتية عنهم، ثم لم يلبث الأمر أن توج برئيس إسلامي فصار على رأس السلطة التنفيذية ولكنه فى الحقيقة لم يكن متمكنا من خيوط الدولة جميعها، فظهرت المؤامرات من المتربصين مع تتابع الأخطاء من الإسلاميين فى معالجة المشكلات بالإضافة إلى نبرة الاستعلاء ومحاولات الإقصاء مما زاد من حالة الاستقطاب الشديدة بين الشعب المصرى، بل إن شئت فقل بين العديد من الاسلاميين وعموم الشعب المصرى الذى استجاب الكثير منه إلى دعوات الحشد لإسقاط الرئيس الإسلامى المنتخب نظرا لتدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية التى استغلها الإعلام المضاد حتى صارت هذه الكتلة الشعبية غطاءً لعزل الرئيس المنتخب فى الثلاثين من يوليو، بل صارت تلك الكتلة الشعبية الكبيرة تقبل حملات التشويه الممنهجة ضد التيار الإسلامى – بعد أن كانت تلفظ ذلك فى حملات أشد – نظرا للأخطاء السلوكية والمنهجية المتتابعة من أغلب أفراد التيار الإسلامى تحت ضغط الاضطهاد والتآمر قبل العزل و الشعور بالظلم الواقع بعد العزل مع الدماء الطاهرة التى سالت فى فض اعتصام رابعة حتى وصل الأمر بالكثير ممن ينتمى إلى بعض فصائل الإسلاميين إلى نسيان ما تربوا عليه من حسن الخلق وحفظ اللسان والصدق فى الحديث بل وصل الأمر إلى تمنى خراب البلاد وهلاك العباد وتلفيق الأحاديث والكذب الصراح بل تعدى ذلك إلى تحولات فكرية خطيرة عند بعض الأفراد والرموز وبعض الجماعات التى كانت تتبنى مناهج تغيير سلمية فى خطابها الإعلامى قبل 30 يوليو ، فصارت هناك دعوات إلى تكفير الجيش والشرطة أو على الأقل بالتوقف فى شأنهم ووصفهم من حيث كونهم من المسلمين أم من الكافرين فى محاولة لإعادة الفكر القطبى التكفيرى بدرجاته مع الدعوة لحتمية التغيير عن طريق المواجهة معهما ومع من يؤيدهما من عموم الناس، الأمر الذى سيؤدى إلى مزيد من خسارة التيار الإسلامى لرصيده بين الناس ويعود بنا مرة أخرى إلى ما قبل الصفر.

 كل هذا وفى ظل وجود قيادات استعلائية فاشلة لا تعترف بأخطائها وتقوم بتعليق تلك الأخطاء على غيرها، بل و تقوم ببث آمال وهمية متجددة لإلهاء أتباعها عن محاسبتها على تلك الأخطاء الكارثية التى أضاعت أحلام التيار الإسلامى ككل مع تخبط تلك القيادات فى اتخاذ القرارات ومحاولتها التعلق بمعارك متغيرة الشعار حسب الحاجة للمحافظة على وجاهتها من الانهيار بين قواعدها وضمان استمرار  ولائها لها و لو على حساب المصلحة العامة.

و كذلك فى ظل وجود جيل جديد من الشباب المحب لدينه عاين الحالة الثورية للبلاد دون تحصيل الحد الأدنى من العلم الشرعى لا سيما فى قضايا الإيمان والكفر التى تعد هى الميزان الحقيقى لمناهج الاصلاح؛ فإننا نحتاج ولا شك إلى وقفة حقيقية فى إعادة بيان منهاج التغيير والإصلاح وبيان مسائل الكفر والإيمان والولاء والبراء بوضوح وجلاء – بدون التأثر بضغط الواقع أو فوران العواطف - مع طرح الفروق المنهجية والفكرية بين الاتجاهات الإسلامية الحالية بدون تجميل حتى لا تختلط الأوراق ولا تشوه الأفكار والمناهج الصحيحة وحتى نتمكن من مواجهة ذلك التحول الفكرى الذى يحدث فى عموم الملتزمين - خاصة الشباب منهم - تحت ضغط العواطف والتعرض للظلم الواقع ومع يتبع ذلك أيضا من ردة فعل عكسية عند البعض الآخر من تمييع لتلك القضايا وتهميشها، مما سيظهر أثره بعد ذلك ولا شك فى تأخير التمكين وضياع أحلام الملايين من المسلمين.

ونحتاج كذلك أيضا أن نعيد الكَرّة مرة أخرى ولكن على أساس متين من التوحيد والأتباع و الأخلاق  مع إظهار محاسن شرعنا بمطابقة أفعالنا لأقوالنا واستيعاب الناس بإحساننا مع عدم تكرار أخطائنا مرة أخرى لنتغير  ونغير الناس من حولنا لما يرضى ربنا فنستعيد بذلك قوتنا و أحلامنا.

و خاتمة الكلام كلام الملك العلام:
- ( إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )
- ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ).