إسلام "فاندرون": ديمقراطية مشوهة وإعلام غائب

  • 203

يعيش العالم العربى اليوم فى ظل مرحلة مرتبكة من مراحل التحول الديمقراطى  كما يحلو للبعض وصف ما تمر به دول المنطقة فى مرحلة الربيع العربى أو ما بعد الربيع العربى – إن جاز التعبير - حيث تخضع هذه البلدان إلى تقييم دورى من الدول الغربية ومنظماتها التى تدّعى فيها الديمقراطية والحرية، بحيث أصبح الحصول على شهادات صلاحية معتمدة من هذه الدولة أو تلك المنظمة هو المقصد والهدف الذى يسعى إليه الجميع، وكأن صك المرور لا يصدر من الشعوب العربية وإرادتها بقدر ما يأتى من الغرب وموافقته، مع علم الجميع أن ثمة مصالح متعارضة وربما أطماع تاريخية وصراعات دفينة تحكم علاقة الطرفين معا.

ولعل الموقف الأخير، الذى عبرّت عنه المملكة العربية السعودية فى رفضها شغل المعقد المؤقت فى مجلس الأمن، يعكس واقع هذه العلاقة ويكشف عن سوءاتها.

ولكن ليس هذا هو هدف المقال وموضوعه، وإنما يهدف المقال إلى الكشف عن ازدواجية المعايير المطبقة داخل العالم الغربى الذى يتشدق بديمقراطيته ويحاول أن يُصدّرها إلى الدول العربية واجبات جاهزة على الشعوب أن تهضمها وتتعامل مع أدواتها وتتفاعل مع آلياتها بغض النظر عما قد يأتى فى مضمارها من مثالب أو ما قد تحمله من متناقضات بين نظرياتها وتطبيقها العملى فى تلك البلدان، ولعل الموقف الذى عبر عنه الهولندى "أرنولد فاندرون" العضو السابق فى حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، ومنتج الفيلم الهولندى المسئ إلى رسولنا "محمد" صلى الله عليه وسلم، والذى أعلن اسلامه منذ ما يزيد على ثمانية أشهر وتحديدًا فى أوائل فبراير 2013، ما يؤكد على النموذج المتناقض للديمقراطية الذى تعيشه هذه الدول، فحينما يقول فى إحدى المقابلات التليفزيونية تعليقًا على ردود الفعل على قراره بإعلان إسلامه بأننى: "قد فوجئت بكل هذا الاهتمام لاعتناقي الإسلام، ولحسن الحظ كانت معظم ردود الفعل إيجابية، وأصبح لدي 17 ألف متابع على موقع التويتر، لكننى تلقيت أيضا الكثير من الردود السلبية من هولندا التي تسود فيها بيئة معادية بشدة للإسلام، وأدرك الآن كم هو صعب أن يكون المرء مسلمًا في هولندا، كنت أخشى من عدم تعاملهم باحترام مع القرار الذي اتخذته".

وهنا تبرز مجموعة من التساؤلات حول تجاهل الإعلام العربى لنشر خبر اسلام "فاندرون" فلِمَ لم يحظ بالاهتمام الكافي كما حدث حينما أنتج فيلمه السابق؟ ألم يستحق هذا الخبر نشره وإعلام الكافة به؟ أم يظل الأمر فى طي الكتمان إلا ما ندر من أخبار متناثرة فلا يُسلط عليه الضوء إلا بعد قيامه بأداء فريضة الحج هذا العام؟ وما هى أسباب ذلك؟ فقد كان على الإعلام العربى عامة والمصرى على وجه الخصوص أن يمنح أولوية لمثل هذه القضايا التى تصحح الكثير من الأفكار الخاطئة التى يروجها البعض عن الإسلام، بما يجعل المرء يسئ الظن بهذا الإعلام وتوجهاته.

صحيح أن مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى تناولت الموضوع من جوانب مختلفة إلا أن الإعلام المرئى والمسموع والمقروء لم يول أى اهتمام بهذا الأمر، فكان من الأولى أن تسرع وسائل الاعلام بعقد لقاءات أو تنظيم حوارات معه، فقد سبق أن أجريت سلسلة من اللقاءات مع أمثال هؤلاء وأصدرتها فى كتاب يحمل عنوان "ثم اهتدينا" مكون من ستة اجزاء، وكان الهدف من هذه اللقاءات هو توثيق ما جرى وتقديم الخبرة للأجيال القادمة للوقوف على حقائق الأمور دون لبس أو تحريف.

واليوم نحتاج إلى مواصلة السير فى هذا الطريق من خلال لقاء يجمعنا مع "فاندرون" بعد إسلامه لكشف كافة الأمور الملتبسة والحقائق الغائبة ليتبين للجميع أمرين: 

الأول- الخلط المتعمد لدى الكثيرين بين الإسلام الصحيح كمنهج سماوى ينظم شئون الدين والدنيا معا، وبين الفهم والتأويل المُقدم ممن يرون أنفسهم المتحدثون باسم الإسلام أو هم فحسب المدافعون عنه، ويحاولون بذلك خلط الأوراق وهو ما أوضحه "فاندرون" حينما قال: "شاركت في صنع "الإسلام فوبيا" التي تعيشها هولندا، فقد اعتقدت أن الإسلام دين سيئ، دين غير متسامح، ويسعى للسيطرة على العالم عن طريق العنف، ويظلم النساء، ولكنني الآن نادم على تفكيري هذا.. لقد ارتكبت خطأ بتصديق مثل هذا الكلام"، يدل هذا على أن ما بعض ما يُنشر أو يكتب هو تعبير عن وجهة نظر صاحبه دون أن تُلصق هذه الافتراءات بصحيح الدين الاسلامى ومنهجه القويم.

أما الأمر الثانى- حتى يعلم الجميع أن الديمقراطية فى نموذجها الغربى والذى يروج لها البعض تحمل بين طياتها الكثير من صور التمييز والتفرقة التى نهى عنها الإسلام الصحيح، وهو ما يدفعنا إلى القول بأنه لدينا فى حضاراتنا من القيم والمبادئ التى نستطيع أن نُقيم بها دولنا على نهج قويم وأسس متينة دون الانفصام عن العالم أو الانغلاق على الماضى، وإنما من خلال التزاوج السليم بين ماضى تليد بخبراته وتراثه وحاضر ملئى بأفكاره واجتهاداته ومستقبل منظور بطموحاته وتطلعاته.