صفات الداعية الناجح

  • 243
الشيخ محمد القاضي

لا بد لمن سلك طريق الدعوة إلى الله أن يتعرَّف على أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الله، ولا شك أن أفضل ما يعبر عن ذلك القرآن الكريم الذي مدح كل من يدعو إلى الله بقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ), فقد مدح الله عز وجل مَن دعا إلى عبادته سبحانه وأخبر أنه من أحسن الناس قولًا، وبيَّن سبحانه أول صفة يتصف بها الداعية أنه ينبغي أن يكون أول الممتثلين لما يدعو إليه عندما قال: (وعمل صالحًا)؛ لأن الانفصال بين القول والعمل آفة يجب أن يتخلص منها الداعية، فلا بد أن تكون أقواله لها رصيد من واقعه العملى, فالدعوة بالقول الذي يوافقه العمل أبلغ عشرات المرات من الدعوة بالقول فقط, أما أن يخالف القول العمل فهذا يدخل في الصد عن سبيل الله وتنفير الناس من الدعوة، وهو باب خطير من أبواب الشيطان, قال تعالى: (لا تتخذوا إيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «ثم حذر -سبحانه تعالى- عباده عن اتخاذ الأيمان دخلًا؛ أي: خديعة ومكرًا؛ لئلا تَزِل قدم بعد ثبوتها: مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبقَ له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام; ولهذا قال: (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)».

فالصد عن سبيل الله يمكن أن يقع من الداعية وهو لا يدري عندما يلاحظ المدعوين التناقض بين أقواله وأفعاله وقد نهى الله عن ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُون). وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار»، قال: قلت: «من هؤلاء؟»، قالوا: «خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون».

فالداعية الذي يتحلى في حياته مع نفسه وأهله وأرحامه وجيرانه وسائر الخلق من حوله بالأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة هو الداعية الناجح, فالقدوة الحسنة هي مفتاح النجاح.

وبالنظر لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وأخلاقه فهو القدوة لهذه البشرية قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خُلُقَه القرآن سلوكًا عمليًّا في حياته اليومية في بيته ومع أزواجه رضوان الله عليهن أجمعين ومع أصحابه رضوان الله عليهم، بل وحتى مع أعدائه من الكفار والمنافقين، يتأدب بآدابه التي شرعها الله قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان خُلُق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن» رواه مسلم.

فالنبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية، أمر أصحابه أن يتحللوا وأن يحلقوا، حينما خرج وتحلل وحلق ونحر تابعه أصحابه، حينما كان مع أصحابه في سفر، وأرادوا أن يعالجوا شاةً ليأكلوها، قال أحدهم: عليَّ ذبحها، وقال الثاني: عليَّ سلخها، وقال الثالث: عليَّ طبخها، وقال عليه الصلاة والسلام: عليَّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك هذا يا رسول الله، قال: «أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزًا على أقرانه». هذا الموقف أبلغ ألف مرة من مائة ألف محاضرة في التواضع، موقف علَّمهم بأحواله، قام وجمع الحطب، حينما كانوا في معركة بدر، وكانت الرواحل قليلة، فقال عليه الصلاة والسلام: «كل ثلاثةٍ على راحلة، وأنا وعليٌّ وأبو لبابة على راحلة».

ركب النبي الناقة في نوبته، فلما انتهت نوبته وجاء دوره في المشي، فتوسَّل إليه صاحباه أن يبقى راكبًا، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أنتما بأقوى مني على السير -كان قويًّا صلى الله عليه وسلم- ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر».

وعلى هذا النهج سار السلف الصالح؛ فكانوا من أشد الناس حرصًا على تحقيق القدوة الحسنة في حياتهم بل وذويهم، فعن سالم قال كان عمر رضي الله عنه إذا نهى الناس عن شيء جمع أهل بيته فقال: «إني نهيت الناس كذا وكذا وإن الناس لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وايم الله لا أجد أحدًا منكم فعله إلا أضعفت له العقوبة ضعفين».

فالدعوة بالسلوك هي الدعوة الصامتة التي تحقق نجاحات أضعاف الدعوة بالخطب والمواعظ والمحاضرات والندوات, هي دعوة من أفعاله أكثر من أقواله، وما أشد حاجتنا إلى هذا النوع اليوم.