هل يقبل الإسلام هوية الآخر؟

  • 150
الدكتور أحمد فريد عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية

من التهم الزائفة التي توجه للإسلام أن الإسلام لا يقبل التعدد، ولا يعترف بهوية الآخر، والقرآن مليء بوصف المخالفين بأنهم كفار.
قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران: 19) - (ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) – (آل عمران: 85). (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
يقولون إننا الآن في القرن الحادي والعشرين، وقد اندثرت النظريات الأحادية وبدأ عمر النظريات التعددية، فلماذا لا يحترم المسلمون وجهة نظر غيرهم من الناس، ولماذا لا يسمون من عداهم "بالآخر" بدلاً من "الكافر" ليواكب الإسلام العصر وتطوراته، والإسلام كما يزعم أصحابه أنه صالح لكل زمان ومكان.

وقبل أن نرد على هذه الشبهة، فبإمكاننا أن نعيد الكرة إلى ملعب الآخر، ونطلب منه أن يجيب عن نفس السؤال، كيف ينظر النصارى إلى المسلمين واليهود، وكيف ينظر اليهود إلى المسلمين والنصارى؟
هل يطلق كل فريق على الآخر سوى اسم "الكافر"؟

أما بالنسبة إلى المذاهب العلمانية فالأمر لا يتغير كثيرا، فـ"أمريكا" كممثل للمذهب العلماني الذي ينادى بالحرية والليبرالية والتعددية، لا يعترف عمليا بما سواه من المذاهب.
فمن الأهداف الإمبريالية في العالم بأسره تأتي الأهداف الثقافية والفكرية لها أيضا، انظر كيف تريد أمريكا فرض ثقافتها وأيديولوجيتها الفكرية وتسعى لإلزام العالم بالصورة التي رسمتها لمفهوم الحرية بالسياسة أحيانا وبالحرب أخرى كما حدث بالعراق. فأين اعترافها بالآخر مع العمل ليل نهار لإلزامه أفكارك ونظرياتك؟

وهؤلاء أذناب الليبرالية الغربية في بلاد المسلمين يعدون مخالفيهم من التيار الإسلامي المحافظ، ظلاميين، ورجعيين، وإرهابيين، وتكفيريين، إلى غير ذلك من النعوت والألفاظ الإقصائية فأين قبول الآخر عندهم؟
بل هم يهادنون كل المذاهب والاتجاهات إلا الإسلاميين فإنهم لا يقبلونهم بحال، ولا يمدحونهم بأقوال ولا أعمال، فأين قبول الآخر؟ رمتني بدائها وانسّلت، فهم لا عذر لهم في عدم قبول الآخر بحسب نظرياتهم التعددية.

ولأن هويتهم إما دين سماوي محرف منسوخ العمل به، أو فكر أرضي بشري قائم على استحسان العقل دون رجوع إلى شريعة السماء الباقية.
والإسلام لم يخترعه المسلمون، ولكن الله عز وجل تعبدهم به، وشرعه لهم، ورضيه لهم دينا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى (ورضيت لكم الإسلام دينا) {المائدة:3}
وتصويب قول الآخر المخالف لشرع الله عز وجل معناه تصويب القول وضده، وأن من قال (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، ومن قال (إن الله ثالث ثلاثة) صواب وهل يقول هذا عاقل؟
على أن الإسلام يعترف بالآخر ألا يكون معه هذا التناقض، فهو رسالة عالمية تدعو الأحمر والأسود واليهودي والنصراني والمجوسي إلى الدخول في الإسلام.
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) { الأنبياء: 107 }. وقال صلى الله عليه وسلم، "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بما جئت به إلا دخل النار ".

الإسلام يمد يده للآخر حتى يدخل في الدين الحق ويسعد في الدنيا والآخرة، الإسلام يعترف بالآخر فهو يقرّ بنبوة موسى وعيسى، (لا نفرق بين أحدٍ من رسله) {البقرة: 285}، وقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تخيروا بين الأنبياء"، فقد فتح الإسلام ذراعيه للآخر باعترافه بنبوة نبيه وكتابه، والقرآن مصدق للكتب السابقة في الجملة مهيمنٌ عليها، فما خالف القرآن فهو محرفٌ لأن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن، فقال عز وجل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) {الحجر: 9} ووكل الكتب السابقة لأحبارهم فقال (بما استحفظوا من كتاب الله)، بل هذه الآفة تشهد للرسل السابقين عليهم الصلاة والتسليم، كما قال صلى الله وسلم "يدعى نوح يوم القيامة فيقول الله تعالى له، هل بلغت؟ فيقول نعم، فيقول لقومه هل بلغكم؟ فيقولون ما أتانا من نذير، فيقول عز وجل لنوح عليه السلام من يشهد لك فيقول، محمد وأمته، فيشهدون، ويكون الرسول عليهم شهيدا"، ثم تلا قوله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) { البقرة: 143 }.

وقد صرح القرآن بكفر أهل الكتاب كما قال تعالى (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) { البينة: 1 }، وقال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) { المائدة: 17}، وقال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) { المائدة: 73 }.

وهذا من البيان الواضح المبين، ولو قلت للآخر أنت على صواب وحق وأنت من أهل الجنة وكان الأمر على خلاف ذلك، لا يكون هذا من الإحسان والنصيحة، لأنه إذا عرف أنه على باطل وأن الله عز وجل حكم عليه بالكفر، وبأنه لو مات على ذلك دخل النار، فلعله أن يراجع نفسه، ويدرس الأمر، ومن يتحرى الخير يجده، ومن يتوق الشر يوقه، فإذا صدق في طلب الوصول إلى الحق، وبذل جهده للوصول إليه، فإن الله عز وجل يوفقه ويهديه إلى الحق، فلو أن الإسلام قبل الآخر بإطلاق، ولم يسمه بالكفر لفوت على الكافرين فرصة البحث عن الحق والوصول إليه.

ومن أسماء القرآن الفرقان، لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الكفر والإيمان، وهو القرآن المبين كذلك لأنه يبين الحق من الباطل، نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم من اليهود، والضالين من النصارى.
لعل إجابة السؤال، هل يقبل الإسلام هوية الآخر قد اتضحت بعد هذا البيان، والله المستعان.