هكذا كان الخوارج يستدلون!!

  • 256

فتنة كبيرة وأزمة عميقة حينما ترى الطريقة التي يتكلم بها بقية الخوارج اليوم مع إصرارهم على باطلهم واستدلالهم على ذلك بأدلة من كتاب الله – تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم –، يخرجون على قنواتهم التي يحضون فيها الناس على قتل المسلمين وتخريب بلادهم؛ بينما يتركون أعداء المسلمين بل يستغيثون ويستعينون بهم على إخوانهم، ورغم ذلك ينخدع بعض الشباب بكلامهم ويسير خلفهم دون بصر أو بصيرة – وإنا لله وإنا إليه راجعون -.

ويتزعمهم أناس يضعون الآيات والأحاديث في غير موضعها ويلبسون بها على الشباب في إصرار وعناد، وزُيّن لهم سوء عملهم فرأوا أنفسهم على الحق ومن عداهم على الباطل، ورأوا لأنفسهم الحق الإلهي، في احتكارهم الكلام باسم الحق كرجال الدولة الدينية في النظام الثيوقراطي، ومن عداهم منافق أو كافر أو خائن أو دجال أو ...إلخ.

ولا عجب...؛

فكذلك كان آباؤهم من الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- يستدلون، وتلك كانت سيرتهم، وسأنقل لكم بعضا مما كان يحتج به الخوارج الأٌوَل حتى تقارنوا بينه وبين ما يأتيكم على تلك القنوات المشئومة التي خدعت الشباب وغررت بهم وتاجرت بدماء الشباب وأعراض النساء ونسأل الله أن يهديهم ويرجعوا عن هذا الضلال المبين.

من كلام الخوارج:

قال الخوارج لعلي: انسلخت من قميص ألبسك الله واسم سماك الله به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله، ولا حكم إلا لله.

وقام فيهم ابن الكوا حينما ذهب إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليناظرهم فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرّفه من كتاب الله ما يعرفه به. هذا ممن نزل فيه وفي قومه: " قوم خصمون " فرُدُّوه إلى أصحابه، ولا تواضعوه كتاب الله.

وقال رجل من الخوارج لعلي وهو في الصلاة: "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "(الزمر: 65).

وبينما عليّ يخطب يوما إذ قام إليه رجل من الخوارج فقال: يا علي أشركت في دين الله الرجال ولا حكم إلا لله، فتنادوا من كل جانب لا حكم إلا لله، لا حكم إلا لله.

وجاء إلى علي رضي الله عنه رجلان منهم، وهما: زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي، فقالا: لا حكم إلا لله. فقال علي: لا حكم إلا لله. فقال له حرقوص: تب من خطيئتك واذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فأبيتم، وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهودا وقد قال الله تعالى: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم" [النخل: 91]الآية. فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه. فقال علي: ما هو بذنب ولكنه عجز من الرأي (اجتهاد خطأ)، وقد تقدمت إليكم فيما كان منه، ونهيتكم عنه. فقال له زرعة بن البرج: أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه. فقال علي: تبا لك ما أشقاك! كأني بك قتيلا تسفي عليك الريح. فقال: وددت أن قد كان ذلك. فقال له علي: إنك لو كنت محقا كان في الموت تعزية عن الدنيا، ولكن الشيطان قد استهواكم.
فخرجا من عنده يحكّمان (يقولان: لا حكم إلا لله) وفشى فيهم ذلك، وجاهروا به الناس، وتعرضوا لعلي في خطبه وأسمعوه السب والشتم والتعريض بآيات من القرآن، وذلك أن عليا قام خطيبا في بعض الجمع فذكر أمر الخوارج فذمه وعابه، فقام جماعة منهم كل يقول لا حكم إلا لله، وقام رجل منهم وهو واضع إصبعه في أذنيه يقول: "ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" [الزمر: 65]. فجعل علي يقلب يديه هكذا وهكذا وهو على المنبر ويقول: حكم الله ننتظر فيكم.

ويروى أن الخوارج اجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في هذه الدنيا ورغبهم في الآخرة والجنة، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم قال: فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها، إلى جانب هذا السواد إلى بعض كور الجبال، أو بعض هذه المدائن، منكرين لهذه الأحكام الجائرة. ثم قام حرقوص بن زهير فقال: بعد حمد الله والثناء عليه: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا يدعونكم زينتها أو بهجتها إلى المقام بها، ولا تلتفت بكم عن طلب الحق وإنكار الظلم "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" [النحل: 128]. فقال سنان بن حمزة الأسدي: يا قوم إن الرأي ما رأيتم، وإن الحق ما ذكرتم، فولوا أمركم رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد، ومن راية تحفون بها وترجعون إليها. فبعثوا إلى زيد بن حصن الطائي - وكان من رؤوسهم - فعرضوا عليه الإمارة فأبى، ثم عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى، وعرضوها على حمزة بن سنان فأبى، وعرضوها على شريح بن أبي أوفى العبسي فأبى، وعرضوها على عبد الله بن وهب الراسبي فقبلها وقال: أما والله لا أقبلها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت.

واجتمعوا أيضا في بيت زيد بن حصن الطائي السنبسي فخطبهم وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلا عليهم آيات من القرآن منها قوله تعالى: "يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" [ص: 26] الآية. وقوله تعالى: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" [المائدة: 44]. وكذا التي بعدها وبعدها الظالمون الفاسقون، ثم قال: فأشهد على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى، ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا في القول والأعمال، وأن جهادهم حق على المؤمنين، فبكى رجل منهم يقال له: عبد الله بن سخبرة السلمي. ثم حرض أولئك على الخروج على الناس، وقال في كلامه: اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم وأطيع الله كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين له العاملين بأمره، وإن قتلتم فأي شيء أفضل من المصير إلى رضوان الله وجنته؟.

ولما قابل عبد الله بن خباب بن الأرت – رضي الله عنه - قالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله وإنكم قد روعتموني فقالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك. فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله يقول: « ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي » فاقتادوه بيده فبينما هو يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزيرا لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم فشق جلده فقال له آخر: لم فعلت هذا وهو لذمي؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه، وبينا هو معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه، فقال له آخر: بغير إذن ولا ثمن؟ فألقاها ذاك من فمه، ومع هذا قدموا عبد الله بن خباب فذبحوه، وجاؤوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى، ألا تتقون الله؟ فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها.

ولما بدأ قتال الخوارج أقبلت الخوارج يقولون: لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة، فحملوا على الخيالة الذين قدّمهم علي، ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة، وأخرى إلى الميسرة، فاستقبلهم الرماة بالنبل.

قال أبو أيوب: وطعنت رجلا من الخوارج بالرمح فأنفذته من ظهره وقلت له: أبشر يا عدو الله بالنار. فقال: ستعلم أينا أولى بها صليا.

هل انتهى الخوارج؟

عن حبة العرني قال: لما أقبل أهل النهروان جعل الناس يقولون: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم. فقال علي: وكلا والله إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، فإذا خرجوا من بين الشرايين فقل ما يلقون أحدا إلا ألبوا أن يظهروا عليه.أ.هـ (انظر البداية والنهاية بتصرف.)

فانظر أخي إلى هذه العبارات: ((لا حكم إلا لله – "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "(الزمر: 65) - من خطيئتك واذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا - لأقاتلنك أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه ...إلخ)) كلمات حق أريد بها باطل، كلام كبير يضعونه في غير موضعه، يحمسون الشباب ويثيرون حميتهم، ويلبسون ثوب الورع وما هو إلا الجهل والخطل، لا يحترمون كبيرا ولا يرحمون صغيرا ولا يحفظون أرضا ولا يصونون عرضا، يلوذون بالفرار ويصفون أنفسهم بأهل الجهاد الكرار، خابوا وخابت مساعيهم وضلوا وضلت أمانيهم، باعوا أوطانهم ودماء أبنائهم بثمن بخس وكرسي نحس، فلا الدين نصروا ولا الكرسي أبقوا، صدوا عن سبيل الله وتنكبوا طريق النجاة، حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، اتبعوا أهواءهم وسبّوا علماءهم، فإلى متى في هذا الطريق يسيرون؟! وحتى متى يعاندون؟!

لن ينفعكم الفرار ولا هذا الإصرار، ولن يدعمكم أهل الغرب ولن يفيدكم أهل الشرق، فعودوا لرشدكم وحافظوا على إخوانكم؛ فرعي الجمال خير من رعي الخنازير، وإن كنتم لا تعلمون فانظروا حولكم وتذكروا ما حدث لإخوانكم في العراق وسوريا وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، أفلا تعقلون؟! أفلا تبصرون؟!

أسأل الله أن يزيل الغشاوة من أعينكم، وأن يعيدكم إلى صوابكم، وأن يحفظ مصر من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحقن دماء أبنائها، وأن يصلح ذات بين أهلها، وأن يحرق من يريد بها سوءً وشرًّا.