لما دخلت الخيل الأزهر

  • 140

في أكتوبر 1798 دخلت خيول الحملة الفرنسية الأزهر، وأعمل الجند الفرنسيون السيف في طلبته و شيوخه، ونهبت الكتب ومزقت مخطوطات عمرها عدة قرون وألقوها أرضا ووطئتها سنابك الخيل، ونهب بعضها اليهود الذين كانوا في خدمة جيش الاحتلال.

ثم أتخذ الجند من المسجد - الجامعة - اسطبلا للخيل حتى أدرك نابليون خطورة احتلاله المهين للأزهر وعمق تأثيره في المصريين فأمر بالجلاء عنه.

كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر التي يمتهن فيها الأزهر على هذا النحو فلقد كان الأزهر هو رمز سيادة الأمة ومركز قيادتها، كان الأزهر يمثل الكيان المتميز لهذه الأمة يمثل ذاتها وتراثها وإمكانية مستقبلها وأدرك المحتلون ذلك كله.

لقد كان الصدام بين جيش الاحتلال أو السلطة الفرنسية و بين الأزهر يتصاعد يوما بعد يوم و انتهى ذلك الصراع بإغلاق الأزهر وتسمير أبوابه بعد مصرع كليبر وفي عهد خليفته مينو الذي أدعى الإسلام.! ثم فتح الأزهر أبوابه بعد ذلك، بعد فشل الحملة و جلائها و لكن الحادثة عبرت عن طبيعة العلاقة الوحيدة الممكنة بين الاحتلال الغربي و قيادة الأمة.

كانت الحملة الفرنسية هي طليعة الاستعمارية الغربية، وكانت تجربة السنوات الثلاث التي قضتها في مصر كافية لإقناع هذه الاستعمارية بأنه ما لم تتم تصفية الدور القيادي الذي يلعبه الأزهر فلن يمكن لأي استعمار عسكري أو فكري أن يستقر على ضفاف النيل.

وانتبه الغرب أنه لا بد من تصفية قيادة الأزهر لا عن طريق احتلاله بالخيل ولا بتسمير أبوابه بل بتسمير باب قيادته الفكرية للأمة و تسليط السفهاء عليه بتغريب المجتمع من حوله حتى تنقطع جذوره أو تنذوي و يبدو نشازا متخلفا بل و يصبح رمزا للتخلف و مثارا للسخرية و التندر.

ولقد نجح الغرب في أن يستمر في هذا الفكر و هذه الرؤية و التي أصبح للأسف يتبناها البعض من كبار رجال الدولة والوزراء فأصبحوا يهاجمون الأزهر واصفين إياه بالتشدد ومحاربة الابداع والرجعية في محاولة منهم لتقزيمه والحد من دوره ومسئوليته التنويريه التثقيفية للمحافظة على الطابع الأصيل لمصر بل و للعالم الاسلامي بأسره و لكن هيهات.

فهل ستتحرك الدولة للدفاع عن أزهرنا؟ وهل ستدرك خطورة الاستهانة بدوره ومحاولات تقزيمه؟

هل تقدر الدولة في هذه الظروف ما للأزهر من مكانة في نفوس المصريين ما قد يدفعهم للغضب من أجل أزهرهم؟

أرفعوا ايديكم عن الأزهر فمصر الأزهر والوسيطة الأزهر وصمام شعور هذا الشعب بالأمان هو الأزهر.

وكما ذهب المحتل وبقي الأزهر فسيذهب الحاقد والمأجور المسلط وسيبقى أيضا الأزهر.