استدعاء المدرب الشخصي !!

  • 107

أتعجب عند كل نازلة أو أزمة ، حيث يتم استدعاء كلام الرجل على أنه مما حذركم منه ومما نصحكم به وأنتم أدرتم ظهوركم للرجل حتى حدث ما توقعه وما كنتم تحذرون !!

هذا الرجل الذي تستدعون كلامه لو كان مستبصرا بما سيحدث ولديه من العلم ما يستشف به حواجز المستقبل بتجاربه وسعة اطلاعه ومعرفته ببواطن الأمور ، حينها سيكون سؤال الفعل الاستباقي والحلول العملية " الحقيقية " مطروحا " بنفس قوة استبصار العوائق والنوازل ".

وإلا سيكون كلامه مجرد تحذير مكرور وأشبه بالتنبؤات الرياضية والاجتماعية التي سبقه لها مفكرين وأدباء ومشايخ وعلماء وإسلاميين بل وعالمانيين شرقا وغربا قديما وحديثا، سيكون حينها كلاما نظريا وقصص تاريخية وأحاديث تدغدغ المشاعر وتوقظ الشعور وتحفز النفس والبدن؛ ولكن بلا تقديم توجيه فعلي لواجبات حقيقية (واقعية) تمنع أو تتجنب أو تخفف من آثار المصائب التي يتم تكرار التحذير منها.

ولغرض تقريب الصورة، إنه شئ أشبه بدخول إنسان حديث عهد بتعلم قيادة السيارات في نفق مظلم يراه من بعيد، ويتكرر تحذير مدرب القيادة الراكب معه كلما اقترب من النفق من وجود الذئاب والثعالب المنتشرين في النفق، فما لبث الأمر أن ازداد حنق السائق حديث العهد واهتاجت نفسه فاحتد في وجه مدربه :

فأين مفتاح تشغيل الإضاءة الأمامية ؟
أو لماذا لا نذهب من خلال طريق آخر ؟
وكيف سنتصرف حال إذا ما هجموا علينا ؟

ولكن الوقت داهمهم قبل أن يجيب مدربه على الأسئلة ، ودخلا في النفق الذي حذره منه !!

وإلا فإنه هو نفس المدرّب الذي لم يتجنب الخطر القريب منه شخصيا حينما داهم حملة ترشحه للرئاسة وساءت إدارته للأزمة و للمخاطر المحدقة، وهو أيضا نفس المدرب الذي لم يسعه التصرف حيال الأزمة السياسية التي بدأت في أوائل عام 2013 إلا بمزيد من التوقعات والنتائج الغيبية (التليفيزيونية) من واقع المساجلات والردود شبه اليومية التي كانت بين مكتب الإرشاد وقصر الرئاسة من جهة وبين المحكمة الدستورية والإعلام والقضاء والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى .

فإذا انتقلنا من قيادة السيارات إلى لعب الكرة ، سنجد أيضا أنه كان مدربا فنيا ولكنه لا يشارك في المباريات بشخصه، نعم قد كان مدربا منحازا بجدارة ولا ريب في ذلك ولا ريب في حميته أو حرصه ، ولكن دوره الفعلي اقتصر بالتعليق على المباراة من خلف الشاشة أو من خلف ميكروفون دون خوض غمار الملعب إلا مرة أو مرتين لا سيما رؤية الكرات المرتدة ضد فريقه دون توجيه حركي منه حيال منعها ،أو دون تبديل بعض اللاعبين الذين " أثبتوا فشلهم " في حملته هو شخصيا، أو فقط الاكتفاء بالتأسف لوقوع مصابين وتوجيه نداء خافت لفريقه باجتناب الدخول في شارع مشهور حتى لا يصابوا إثر المواجهات!!

انحصرت رؤيته على التحذير من العوائق دون إيجاد إجابة " واقعية " لسؤال تخطي العقبات ، على التصدّر بحل كل المشاكل بعرائض نموذجية انبهر بها اللاعبين والجمهور بل والخصوم، وحينما نزلوا إلى الملعب أصابتهم الحيرة والدهشة بعد كل هدف مسدد في مرماهم وكل مصاب يتم نقله إلى الاحتياطي أو إلى المستشفى وتساءلوا : ما الذي أخطأنا فيه ؟

وأردف بعض الجمهور المتحمس : أكلنا يوم أكل الثور الأبيض !!

والحقيقة المشاهدة بعد كل ما اجتررناه من مصائب ذلك (التيار) حتى هذه اللحظة أن الحماس وحده بلا عين تبصر أي الأقدام التي تقدم أو تؤخر ولا منهج يهدي لحسن العواقب وتقليل المفاسد كان كافيا بالنسبة للأسد وأقرانه والفرصة السانحة لهم لأكل الثيران الواحد وراء الآخر لقم سائغة بلا جهد .

أتذكر جيدا ذلك المدرب ، عندما قرر أن التضحية بسمعة النادي ككل وشطبه من الاتحاد ومن الدوري والدخول في صدام محتوم من وجهة نظره وسقوط مصابين بل وقتلى هي عين الجرأة وعين الشجاعة وعين أخذ الحق بالقوة، حتى لو كان ثمن التضحية عشرة آلاف شخص ورواية أخرى تكلم فيها عن مليون شخص!!

هكذا كان مبدأه!!

والسؤال الذي لا أعرف هل غابت إجابته عنه هو فقط أم غابت أيضا عن فريقه:

منذ متى والإسلام يحض الناس على الدخول في مواجهات صدامية غير متكافئة بلا سلاح وبلا وزن للقوى ولا ضبط للمشاعر ولا وجود لتوجيه أهل العلم ودرايتهم بحال الفئة المراد مواجهتها إلا فقط لداعي (المغالبة)؟

أتفهم جيدا دوافع بعضهم إذا غضب من مجرد الانتقاد الذي لا يؤذي إلا كما تؤذي الحقنة الضرورية جلد المريض وفيها دواءه، كما أتفهم جيدا مشاعر من يثقون بالرجل حتى وهو خلف الأسوار (فك الله أسره وأخرجه إلى أهله سالما)، وأعتقد أن لديهم بعض الحق في تبرير ذلك بكونه كان مدربا مخلصا محبا لقضيته ومدافعا عنها وشارح جيد لها وسط الجموع، ولكن ما لا أتفهمه جيدا وأحاول فهمه هنا هو تكرارهم لاستدعاء التحذيرات التي أطلقها سابقا – التي لم ينجح هو نفسه في تفاديها - بطريقة مقلوبة في أي حدث في سابقة من نوعها تذكرك بمشاهد استدعاء (الرجل المخلص) في الأدبيات حين الوقوع في كل أزمة !!

ختاما:- ( المدرب الشخصي ) هو مصطلح أو مفهوم سائد في الوسط الرياضي في الغرب ومن يبحثون عن الرشاقة عموما و يعبر عن استئجار ساعات أسبوعية من وقت أحد المدربين في مجال اللياقة وتخفيض الوزن ، حيث يقوم المدرب بمهمة: (المصارحة والتبصرة) لطالب اللياقة بأهمية تنزيل الوزن والتخلص من الدهون والترهلات حسب الفئة العمرية المخاطبة، والمهمة الأخرى هي: (التوجيه والإرشاد) لتمرينات رياضية معينة حسب (العمر) و (الوقت) و (المجهود) يقوم بأدائها الشخص حتى يستطيع أن يحصل على قوام مثالي مطلوب .

ولا يمكن أبدا أن يكون هناك مدرب يقوم فقط بدور المصارحة والتحذير وتكرار التحذير وإبداء التخوف والجهر بالصعوبات المتوقعة لأثر (الكرش) على العمود الفقري وأثر الدهون على تنقية الذهن والمعدة وضغط الدم وخطر كثرة الجلوس بلا حراك دون أن يكون منه في نفس التوقيت وبنفس الحماس توجيها فعليا وعمليا يستطيع صاحب الوزن المترهل أن يؤدي تمرينات معينة ويحافظ على نظام غذائي معين يصل به إلى ما يطمح من نقاء الدم وراحة البطن والذهن والتخلص من الدهون ، والعكس صحيح .