بين دولة المصالح ومصالح الدولة

  • 106

نسير على اعتاب برلمان اتفق جميع المشاركون في العملية السياسية على أنه أخطر برلمان شهدته مصر، وذلك لعدة أسباب، لعل أهمها صراع الجماعة مع الدولة الذي يلقي على البرلمان المقبل بالعديد من التخوفات أكثرها طفوًا على الساحة بالطبع تسلل الإخوان إلى البرلمان عبر أبواب الخلفية.

والحقيقة يسعني أن أعلن بكل وضوح وصراحة أن كل المقدمات حول رؤية الدولة للبرلمان المقبل تفضي إلى نتيجة هامة وهي أن الدولة لا يهمها أمر تسلل الإخوان بقدر ما يخيفها إحراز ما يحلو لي تسميته بـ "دولة المصالح" هدفا في شباك مصالحها.

حقيقية عند النظر إلى طريقة عمل مبارك في إدارته للدولة يرى المدقق فضلا عن الباحث أن (الدفع) أفضل ما يوصف به عهد مبارك لاسيما في سنواته الأخيرة، فقبل أفول نجم الحزب الوطني بسنوات كان بمثابة وحش التهم الأخضر واليابس، وحش استطاع أن يبني عظامه من فتات لو وضع وحده في ماء لما مرت عليه دقيقة حتى ذاب في الماء إلا أن هذا الضعف استغله سماسرة المصالح الذي تربوا على أعين أحمد عز وزكريا عزمي وغيرهما ممن كانوا بمثابة قطعة السكر التي انهال عليها النمل من كل حدب وصوب، فبعد أن افترس هؤلاء السماسرة طعام الشعب المصري وقليلا من دمه، أخذوا في إلقاء هذه البقايا للنمل المتعطش إلى رخصة مسروقة أو وظيفة لا يستحقونها أو مجالس وصناديق محلية ينهبونها، أو ربما يتجرأ بعضهم على اقتسام قليل من الطعام الحقيقي مع هؤلاء السماسرة بأراضي ومصانع من قوت هذا الشعب ودماء أبنائه.

ثم كان إبداء الولاء حقا على سلة النمل لملكتهم أو قل إلى مباركهم بالحلف على السمع والطاعة في البرلمان والرئاسة وكل انتخابات أو ابتزازا لغيرهم بشراء الأصوات وتزوريها حتى يفوز من يريده النظام ويفشل من لا يريده؛ فصار للوحش أذرع وأرجل بل وعقل، بسماسرة لا يعلمون في البشر إلا أنهم سلع تباع وتشترى والثمن في الغالب كان المصلحة، ولا ادعي – وإلا لكنت مجنونا من مجانين التعميم – أن هذا طال قرابة الأربع ملايين مصري الذي حملوا عضوية الحزب المحلول وإنما أقصد جماعة المصالح التي كانت أطراف النظام المباركي التي انتشرت في كل ربوع وهيئات ومؤسسات الدولة تتبنى عقيدة المصلحة المتبادلة فيما بينها.

وكانت الثورة التي اقتلعت رأس النظام ولكن كما نتفق جميعا ما زال جسد الحية يلتف ويلتف حتى التصق برأس الدولة وصار للرأس جسدان يأبى أحدهما أن يذوب في الآخر دولة المصالح والشعب الصالح الذي لا يريد إلا العيش في وطن أفضل، بيد أن الأول لا يريد سوى العيش في وطن المصالح الذي تنمو فيه وتكبر مصالحه هو وليحرق الجسد الآخر، وبعد الثالث من يولية رأت دولة المصالح نفسها في طرق العودة نتيجة أن الرئيس يسعى لأن يحتوي الجميع يسعى للبناء وعند البناء لن ترى الاختلاف لأنك ستحتاج كل السواعد ولن ترفض يد المساعدة من اي أحد، إلا أن البرلمان هو اللعبة المفضلة لأبناء دولة المصالح فهو قطعة السكر الكبرى التي كان يقدمها النظام عبر حزبه للنمل الملتصق به ارضاء لخدماتهم ومكافأة لولائهم وحتى يزدادوا في ترك دفع المصلحة يتقوى النظام بهم يرسخون أقدامه ويستفيدوا ببقايا الطعام والدماء التي يلقيها لهم سماسرة النظام الكبار.

هذه الدولة هي التي تخشى الدولة أن تتقابل معها في البرلمان المقبل دولة لا تريد البناء وإنما تريد التحطيم حتى تبحث داخل هذا الحطام عن غايتها عن مصلحتها، هذه الفئة لا تتفق أبدا ومصالح الدولة على خير، فإما مصلحتها أو مصلحة الدولة وبالطبع مصلحتها سيكون قبل أي اعتبار، هذه هي العقبة أمام الدولة وأمامنا جميعا التي يجب أن نصر على تجاوزها أيا كان الثمن وإن كان الأفضل أن نخرج بأقل الخسائر إلا أن القضاء على هذا الدولة بمحاولة تذويبها في الجسد الأوحد والأبقى في الشعب الذي لا يرى سوى مصلحة وطنه هو الهدف الأولى بنا جميعا رعايته.