(مظاهرات 28 نوفمبر) الاستراتيجية والنتائج

  • 130


ليس لديّ أي مشكلة على الإطلاق مع مظاهرات 28 نوفمبر أو ما يُعرَف بــ (انتفاضة الشباب المسلم) إلا في فلسفة الدعوة لها وآليات إدارتها.

أحد آليات إحداث التغييرات في المجتمعات لدى المدرسة السياسية الغربية هي "بث الفوضى" وهي استراتيجية تُنتِج مكاسب كبيرة للغاية ونجاحاتٍ هائلة مع أقل قدر ممكن من بذل الطاقة، وذلك خلافاً للتدخُّل العسكري المباشر المُكلِف، رغم أنه لا يمكن الاعتماد على استراتيجية "بث الفوضى" فقط كما سيتبين لاحقاً.

- اقتصادياً: بث الفوضى أمر يكاد يكون مثالياً ولا أُناقش هنا جوانب شرعية، وهي طريقة ناجعة بشكل مميز في الكثير من المجتمعات واستُخدِمت في العديد من دول العالم ، هذه الاستراتيجية يؤمن بها -عن قصد وأحياناً ضمنياً- قطاع غير قليل من شباب الإسلاميين، وهم شباب يقف بين تيارين:

أحدهما: يتبنى اتجاهاً دعوياً أو سياسياً. وآخر: جهادياً أو مُسلّحاً. ونما هذا القطاع الآخر بشكل ما بعد الثورة في 2011 ثم زاد بشكل أكبر بعد عزل الدكتور مرسي وفض رابعة، ولازال يزداد نتيجة فقدان الأمل في الحلول السياسية مع عدم الرغبة في الانخراط في الصدام الجهادي المباشر، لذا اختار هذا القطاع طريقاً بين هذا وذاك , ومظاهرات 28 نوفمبر هي وليدة رؤية هذا القطاع.

- يؤمِن (ولو ضمنياً) أغلب الشباب الإسلامي المُحرِّك والداعي لمظاهرات 28 نوفمبر باستراتيجية "بث الفوضى" تلك، ثم جني مكاسبها لاحقاً.

* لمزيد من الإيضاح لهذه الاستراتيجية بمثال عملي بسيط ضع مجموعة من "الزلط" مُختَلِف الأحجام في وعاء صغير وليكن صينية مثلاً لا يزيد ارتفاع حوافها عن 10 سم لسهولة التحكم فيها واملأها حتى قبل نهايتها بقليل بقطع الزلط مُختلفة الأحجام تلك، ثم هزّها بشكل أفقي بسرعة ثابتة، وستلاحظ أن الزلط في الوعاء تم ترتيبه بعد وقتٍ بحيث أصبح مُتدرِّج الأحجام في طبقات داخل الوعاء من أعلى الى أسفل، طبقة فيها الزلط الأكبر ثم الأقل حجماً وهكذا، لاحظ أن كل زلطة تحركّت بشكل عشوائي لكن المجموع في النهاية يكاد يكون استقر على اقتراب الأحجام المُتشابهة من بعضها في طبقات.

قم بتحريك الزلط مرة أخر ولكن "حركة مائلة غير ثابتة السرعة" وستُلاحظ حدوث اضطراب كبير في طبقات الزلط.

في المرة الأولى كانت حركة كل زلطة عشوائية لكنها أنتجت نظاماً ما، وفي المرة الثانية كانت حركة كل زلطة أيضاً عشوائيةً لكنها أنتجت عشوائيةً في المُجمل، وفي الحالة الثانية أنت تملك سلطة التدخُّل وهَز الزلط بشكل صحيح مرة أخرى ليعود لوضعه الأول. إذا أنت في هذه الحالة تملك "سلطة إدارة الفوضى" وإيقاف العشوائية متى تشاء وهذا أمر بالغ الأهمية.

تُستخدم استراتيجية شبيهة بتلك للسيطرة على المجتمعات أحياناً نظراً لأنها غير مُكلِفة وتسمح بإعادة ترتيب الأوضاع وتشكيل المجتمعات بأقل مجهود ممكن، ولبيان ذلك بمثال ينبغي سؤالك هل حاولت ثني سيخ حديد ذو قُطر كبير بيدك؟

إذاً يتم تشكيل المعادن على البارد والساخن، ولكلٍ منهما أغراض وأحياناً لا يصلُح أحدهما محل الآخر، لكن الفارق هائل في الضغط اللازم على المعدن لتشكيله بين هذا وذاك، فربما رأيتَ ذاتَ مرة عاملاً في مجال المقاولات يستخدم آلات كبيرة لثني الحديد يدوياً قبل استخدامه، وكثيراً ما يلزَم لهذا الأمر أكثر من عامل إذا كان قُطر سيخ الحديد كبير نسبياً، لكن في المقابل فإن حداداً يقوم بتسخين الحديد قبل تشكيله يمكنه استخدام آداة صغيرة ومجهود أقل بسبب ليونة الحديد نتيجة إنهاكه بعد التسخين.

هذا الفارق بين التشكيل على البارد والساخن يتم اتباعه لإعادة تشكيل المُجتمعات , فــ "بث الفوضى" هو بمثابة إنهاك للقوى داخل المجتمع بحيث لإعادة تشكيلها أو مساومتها لا يلزم جهد كبير.

لمظاهرات 28 نوفمبر أحد ثلاثة احتمالات كالتالي:

1- أن تخرج مظاهرات كأي يوم عادي ثم تعود بلا قتلى ومُعتَقلين أو بعدد قليل من القتلى والمُعتَقلين. هذا الاحتمال سيعني أن اليوم لم ينجح، فلا يُفتَرَض في يومٍ جرى له كل هذا الزخم أن ينتهي ولا فرق بينه وبين غيره.

2- أن تخرج مظاهرات فيُقتَل أو يُعتَقَل أو كليهما عدد كبير من الناس ثم ينتهي الناس بيوم حزين لا يعقبه شيء، وهذا أيضاً يعني أن اليوم لم ينجح إلا في إضافة مآسي لأُسَر أخرى، وبانتظار يوم جديد.

3- الاحتمال الثالث أن يُقتَل عدد كبير وتحدث استفزازات لم يسبق لها مثيل وينتُج عن كل هذا مُقدمات لاشتباكات مُسلحة لاحقاً فيما يُعرف بــ "بث الفوضى"

الاحتمالان الأول والثاني لا حاجة في مزيد شرح لهما، بينما يبقى الاحتمال الثالث يحتاج لبعض توضيح :

على افتراض أنه سينجح هذه المرة تنزُّلاً لأن اليوم غير مُخطط له ككل الأحداث السابقة ليسمح ببث الشرارة اللازمة لبدء هذا الاحتمال، وأغلب ظنّي أنّ مَن نظّمه لم يفعل أكثر من الدعوة لليوم وصناعة هاشتاج له ، ثم قرر أن يجلس ويتضرّع الى الله في الدعاء أن يُنتِج العمل العشوائي الغير المنظم هذا ليوم 28 نوفمبر فوضى كبيرة يكون من نتيجتها لاحقاً نظام جيد!! منتهى العَبَث أن يكون التخطيط هو أن لا تُخطط فتنتج عشوائية يليها نظام!! ثم تدّعي أنّها رؤية حقيقية!!

قد تسأل الآن إن كان الأمر كذلك ومليء بالعشوائية فلماذا كل هذه الضجة حوله؟

أثبتت السنوات السابقة أنّ كل المؤسسات في مصر "حكومية كانت أو مجتمع مدني سياسي أو اجتماعي أو حتى طائفي" غارقة في نظرية المؤامرة ولا تثق في قدراتها بقدر ما تثق في قدرات خصمها، بمعنى أنّ مجرد تحديد يوم للحدث وهاشتاج والإعلان بشكل مُبهَم أثار خوف الحكومة لأنها ترى خصمها سوبرمان فقررت المُبالغة في الاستعدادات أمنياً وإعلامياً فصدّق المنظمون أنّهم يُخططون على نحو جيد وإلا لما أحدَثوا كل هذا الأثر، وشيئاً فشيئاً بدأ ينتقل هذا الشعور بين المؤيدين والمُعارضين ليكتسب اليوم زخماً على أمل "إن الحظ يضرب وتنفع المرة دي"!!!.

كثير من شباب الإسلاميين المناوئين للنظام الحالي باتَ يرى أن تغيير الواقع بمجرد التظاهُر والاستسلام للقتل بصدر رحب لن يُجدي , لذا لابد من صدام لكنه لم يملك أدواته بعد، لذا يرون ضرورة استنفار قطاعات أوسع من الناس لتشكيل جبهة قوية، وربما تفتّق الزهن عن فكرةِ حَمْلِ المصاحف عاليةً أثناء التظاهُر يوم 28 فبراير لأن الطرف الآخر لن يأبَه لها، وبالتالي يتم إهانة المصاحف وتمزيقها مع عدد كبير من القتلى فربما يُحرِّك ذلك في الناس شيئاً ويهبّوا "لا أُناقش هنا جواز استخدام القرآن في أمرٍ كهذا وإنما أعرِض فقط آلية تصلح -على الأقل نظرياً- للإستنفار"، وفي هذه الحالة -إن حدث ذلك بشكل صحيح- إذا استجاب الناس للاستنفار ووقعت اشتباكات ثم صراع مُسلّح سينتُج عنه قتلى بأعداد كبيرة للغاية، لكن بعد انتهاء الصراع بعد فترة من الزمن يُمكن لمن تبقّى حياً أن يحيا على نحو أفضل .... هذه هي الرؤية أو استراتيجية "بث الفوضى" في حالتنا، هذا إذا لم يتوقف ذلك لاحقاً لأجل تفاوض.

إذا يبقى السؤال الأهم:لماذا استخدام استراتيجية "بث الفوضى" غير مناسب في الحالة المصرية؟

تعتمد الأنظمة الغربية التي تستخدم هذه الاستراتيجية على عاملين أساسيين هما:

1- أن الداعي للفوضى لا يجب أن يكون جزءاً منها: فالفوضى هي عملية تطاحُن هائلة ولا يُفترض بمن يريد جني ثمارها أن يسقط فيها لأنها تُهلِك مَن بداخلها ويستفيد مَن بقيَ خارجاً، وهذا مفقودٌ في حالة الإسلاميين المصريين لأنهم سيكونون ضمن هذه الطاحونة وسينشب صراع بينهم وبين مُناوئيهم، ويُفتَرَض أن لا يكونوا داخلها إن كانوا يخططون لجني مكاسبها، إلا أنهم مضطرون لتشغيل هذه الطاحونة بأجسادهم هم ولن يفعلها غيرهم إن لم يفعلوها.
2- أنها تملك "سلطة إدارة الفوضى"
: وهذا أمر بالغ الأهمية لا يتوفر هنا لمَن يرى نجاعة هذه الاستراتيجية، فأحياناً يخرج "الفوضويون" عن الحدود المسموح لهم بالبقاء ضمنها , وفي هذا الحالة قد يتسببون في انقلاب السحر على الساحر، بمعنى أن يُصبح الساعي الى جَني مكاسب الفوضى بأقل قدر من الطاقة هو أحد ضحاياها، أو على الأقل سيطرة طرف مُعادي له على مفاتيح اللعبة واستفادته منها ثم إلحاقه الضرر بمُسبِّب الفوضى نفسه.

أحد أمثلة "سلطة إدارة الفوضى" مثلاً ظهر في الأزمة الليبية حينما أصَرَّ القذافي على سحق الثورة بالضربة القاضية والتمكن من السيطرة مرة أخرى سريعاً فقتل 34 ألفاً في سبعة أشهر "حوالي 0.5% من سكان ليبيا وهو رقم كبير"، إذ قَصَف القذافي بشكل عشوائي انطلاقاً من مدينة "سرت" وشرقاً في اتجاه "البريقة" و "أجدابيا" حتى وصل الى مشارف "بنغازي" , ومن "طرابلس" و "سرت" كذلك باتجاه "مصراته" فحاصرها وقصفها حتى كاد يبيد أهلها، حينها دخل حلف الناتو وقصف قوات القذافي حتى اضطرها للرجوع، فالمسموح للقذافي هو البقاء فقط في الصراع لا إنهاءه لصالحه، ولما لم يستوعب القذافي ذلك وانطلق بقوة وجب إدارة هذه الفوضى بالتدخل لإعادة التوازُن، فرجع القذافي كثيراً الى ما وراء "مدينة البريقة" ثم ساوَم الناتو الثوار -حسبما أُشيع وقتها كانت أمور تتعلق بالنفط- فرفض الثوار المُسيطرون على بنغازي , حينها قلّل الناتو من طلعات طائراته ضد القذافي , وبمنتهى الغباء تقدّمت قوات القذافي سريعاً نحو البريقة وأجدابيا لدخول بنغازي , ظناً منه أنه سينتصر مرة أخرى , حتى انتقد اللواء "عبدالفتاح يونس" قائد الجيش الليبي الموالي للثوار وقتها في كلمة مُصورة يوم 5 ابريل 2011 "تراخي الناتو في قصف قوات القذافي" , فلما وافَق الثوار على المُساومة مع الناتو أُعيد قصف قوات القذافي مُجدداً وأُعيد الى ما وراء البريقة , وقُتِل عبدالفتاح يونس في ظروف غامضة بعد هذا التاريخ بأقل من أربعة أشهر "لا أحد يعلم على نحو قاطع أسباب اغتياله حتى الآن" , واستمر الحال على هذا النحو بين تقدُّم وتراجُع ومُساومة ولا يفهم القذافي ما يُناط به من البقاء ضمن صراع غير محسوم حتى قُتِل لفَرط غباءه , وبعد مقتله بسنتين تم إبراز "خليفة حفتر" ربما ليؤدي نفس الدور الذي فشل فيه القذافي والحفاظ على صراع غير محسوم لفترة يتم تحديدها مِن قِبَل مَن يملك سلطة إدارة الفوضى.

في 21 أغسطس 2013 قُصِفَت الغوطة الشرقية بريف دمشق بمجموعة صواريخ تحمل أسلحة كيميائية وقُتل حوالي 1400 شخص وأصيب الآلاف , واتهِمت المعارضةُ النظامَ بقصفها في حين اتهم النظامُ المعارضةَ وتحديداً "لواء الإسلام وقائده زهران علوش" بالقصف بعد أن أنكر النظام وجود قصف بالكيماوي أصلاً في البداية , وأكدت دولٌ غربية رواية المُعارضة , بينما أكدت روسيا وإيران رواية النظام , ونتيجة لخطورة هذا السلاح وقدرته على الإنهاء المبكر للصراع بقتل عدد كبير بشكل سريع قرر مَن يملكون "سلطة إدارة الفوضى" سحب السلاح الكيماوي من النظام السوري بقرار من مجلس الأمن.،وقد يعزو البعض سبب سحب السلاح الكيماوي كذلك الى تأمين إسرائيل حال وقوعه في يد يدٍ "غير أمينة" على إسرائيل.

وآليات شبيهة بذلك حدثت في دول يوغوسلافيا السابقة في التسعينات منها عندما ارتكبت قوات صرب البوسنة المدعومة من صربيا "مذبحة سربرنيتسا" بالبوسنة والهرسك في 11 يوليو 1995 وقتلت ثمانية آلاف مسلم في المدينة بعد أن جمعتهم في ملعب لكرة القدم ليتم إعدام السكان على مرأى من القوات الهولندية المُكلّفة بحماية المدينة التي تقاعست عن مهمتها وتركتهم يُقتَلون أمام أعينها رغم خضوع المدينة لسيطرة الأمم المتحدة وتصنيفها كمنطقة آمنة مسبقاً مما دفع المسلمين لتسليم السلاح قبل المجزرة.

كذا العديد من الوفود الأوربية التي وصلت مصر في يوليو 2013 لتشجيع الناس على الصمود في الميادين وطمأنتهم لعدم وجود نية لفض الاعتصامات وهو أمرٌ يُتلاعَب بالكثير من الإسلاميين فيه حتى الآن بحيث يحصل على تصريحات أوربية أو أمريكية مؤيِّدة فيتغنّى بها ثم يرى فعلاً مُخالفاً للقول مما لا يتّسع المقال لذِكر أمثلة منها إلا أنها لا تخفى على أحد.
بقيت نقطة أخيرة: لماذا لا تتفق مع الدعوة للتظاهُر في هذا اليوم وبهذه الآلية؟

فضلاً عن عدم جواز هذه الآلية شرعاً , ثم عدم جدواها للسببين سالفي الذكر فإن: هذه الآلية تم اللجوء اليها لفُقدان الأمل في البدائل وهو ما أكّده عاصم عبدالماجد في حواره لموقع "قناة الشرق" ونقلها موقع "كلمتي" وكلاهما مؤيدان لتحالُف دعم الشرعية بأن قال: 28 نوفمبر سيشهد "تحولاً نوعياً" لأن "سلمية الإخوان ضيعتنا".

كما أن أغلب مَن سيُشاركون في اليوم لا يُدركون الآلية التي يجب أن ينجح بها سيناريو "بث الفوضى" إذ أن هذا السيناريو يجب أن تكون أولى خطوات نجاحه هي مجموعة كبيرة من المذابح بحيث لو افترضنا مثلاً أنّ عدد الإسلاميين مليوناً فيجب أن يتم ضخ مائة ألف شخص من الإسلاميين كوقود لهذا السيناريو على أمل أن يستنفِر سحقهم العدد الأكبر المُتبقي "التسعمائة ألف" للإشتباك وتحقيق الناتج المرجو.

ملحوظة: اتُبع هذا الأسلوب سابقاً في مذبحة فض الاعتصامات وهو التضحية بالقليل -لكن الهدف منه لم يكن حينها بث الفوضى وإنما تحرّك ما يُعرَف بــ"المجتمع الدولي" ضد النظام، وهو ما لم يحدث رغم مقتل وإصابة آلاف.

وبغض النظر عن أنّ مقتَل النسبة الأقل قد لا يعقبها استنفار النسبة الأكبر مما يعني أنهم قُتِلوا بلا ثمن , لكن مَن يُعطي لنفسه الحق في سَوْقِ الناس الى مصير لا يعرفون أبعاده كاملة!!، فإن قال أنهم يحملون أرواحهم على أكُفِّهم في كل مظاهرة وبالتالي فهم لا يُعارضون هذا السيناريو فالمظاهرة تحتمل بشكل أكبر رغم ذلك أن يعود سالماً، أما في هذا السيناريو أنت تسلبه الحق في تقرير مصيره وتُرغِمه على الموافقة على أن يكون مجرد "وقود" لنظريتك على غِرار عدم إخبار الناس بميعاد فض الاعتصامات بدعوى أنهم جاءوا ويعلمون أنهم مُعرّضون للخطر , فالفارق كبير بين أن يكون لديه احتمال القتل -وهو احتمال مهما بالغنا فيه قليل- وبين أن يتأكد يقيناً أنه مقتول.

بالضبط كمن يُحوِّل مُقاتلاً في مجموعة الى انتحاري ويقوم بلف جسد هذا المقاتل دون أن يستأذنه بالمتفجرات ليُلقيه على العدو، فهذا المقاتل وافق على القتال لكن لم يُستَشَر في أن يُفجّر نفسه!! وليس من حق أحد أن يسلبه حرية الاختيار، ومما يؤكد ذلك هو وجود ما يعرف بــ"الكتائب الاستشهادية أو الانغماسية" لدى المجموعات الجهادية ويتم اختيار أفرادها بإرادتهم وإعدادهم لوقت الحاجة.

ثم كيف يُعطي الداعِم لهذا السيناريو الحق لنفسه في التعامل مع الأرواح المُسلمة بهذا "المنطق الشيوعي" الذي ينظر الى الأعداد فحسب!! فيقول نقتل عدد كذا ليحيا عدد كذا -هذا إن سلّمنا بصحة النتيجة النهائية أصلاً وتَمكُّن مَن تبقّى من العيش الكريم لأن هذه قصة أخرى أكبر من كل ما سبق-، كيف يُعطي لنفسه الحق في التعامل مع أرواح المسلمين على أنّها كأكوام الرمل ينثرها كيفما شاء كأنه يملكها!!