هذه سبيلي!

  • 127

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، لا سيما عبده المصطفى ، وآله المستكملين الشرفا ، ثم أما بعد ؛
{قُلْ هَ?ذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ? عَلَى? بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ? وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}..

أمر في وقت شدة ، وبيان في وقت محنة ،
ولئن بدئ التوجيه بـ ( قل ) ، فلقد ثني ببيان السبيل ؛ ( هــــذه ســــــبيلي ) ! ،
هذه سبيلي ، واحدة فقط ، لا تشعب فيها إلى آراء وأهواء ، بل هي دين رب الأرض والسماء ،
هذه سبيلي ، صراط مستقيم ، لا اعوجاج فيها ، لا تخبط ولا تلون ،
هذه سبيلي ، بينة صافية ، لا خفاء فيها ولا التباس ، بل إن وضوحها أصل وأساس ،
هذه سبيلي ، لا حدس فيها ولا خرص ولا تخمين ، بل مطلق الجزم بالعلم واليقين ،
هذه سبيلي ، أعرفها جيدا ، " على بصيرة " ، لا أتخبط فيها ولا أتحسس خطى المسير ، بل أمضي فيها دوما على هدى من الله ونور .

هذه سبيلي ، لا أذكرها فقط في وقت النعمة والرخاء ، بل أيضا في وقت الشدة واللأواء ،
هذه سبيلي ، مقتضى البلاء ؛ أن أثبت على عتمة – طارئة – حلت عليها وقت المحنة ، كما أفرح ببهائها وزهاء معالمها زمن المنة.

هذه سبيلي ، وأنا فيها إلى الله سائر ، فمن شاء تابع ، ومن شاء تراجع ،
ويا لها من روعة ، حين يستشعر كل منا في نفسه هذا المقام ، ويتيه زهوا بما ألحق بها من ياء الملكية ، حيث قال : " سبيلي " ! ، - إذ ليست هي للنبي صلى الله عليه وسلم وحده ، بل له ولكل فرد من أمته " أنا ومن اتبعني " ، - فيقول بقلبه وحسه وروحه ونفسه : " هذه سبيلي " ، سبيلي أنا !!
كما استشعرها أبو بكر رضي الله عنه يوما فقال : " أينقص الدين و ( أنا ) حي " ، رغم أن صحابة رسول الله – وهم خير البشر – أحياء !!! ، بل شرع يقول : والله ، لو لم يبق في القرى غيري تتخطفني الكلاب وأمهات المؤمنين ؛ لقاتلتهم..

هذه سبيلي ، سأعمل فيها كما لو كنت في الدنى وحدي مع علمي بأن هناك آخرون ؛ أحادية البذل والعطاء مع جماعية السير والأداء ،
هذه سبيلي ، ليست سبيل نصرتها – فقط – للقادة المسئولين والرموز المتبوعين ، بل يقع علي – وكأنني – وحدي عبء نصرة الدين ،
هذه سبيلي ، أعتز بها ، وأنصهر فيها ، وألتصق بها ،
هذه سبيلي ، هي مني وأنا منها ، وسأقضي حياتي في تجسيدها ،
هذه سبيلي ، لن أكل ولن أمل من قطعها بالجد والاجتهاد ، بل ستكون شغلي الشاغل ، وعلى الله وحده الاتكال والاعتماد.

فيا عبد الله ؛ هلا استشعرت معنى " قل هذه سبيلي " ، وحددت - من الآن - كم سيبلغ حجم السبيل في ساعات يومك !
اللهم اهدنا سبل الرشاد ، واسلك بنا إليك يا رب العباد.