أهمية الإيمان لأجل سلامة المجتمع

  • 126

في مجتمع يعلو فيه الإلحاد وتسود الأخلاق النفعية والمصالح الفردية المحضة تكون الأولوية لمصلحة الفرد على مصلحة المجتمع ، فيفسد المجتمع بالتالي وينهار بدءًا من مؤسسة الأسرة حتى المؤسسات الأمنية السيادية الحساسة .

يقول الفيلسوف الإنجليزي – أبو الليبرالية الغربية – جون لوك John Locke بخصوص الملحدين في المجتمع : (وأخيرًا لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين ينكرون وجود الله . فالوعد والعهد والقسم ، من حيث هي روابط المجتمع البشري ليس لها قيمة بالنسبة للملحد . فإنكار الله ، حتى لو كان بالفكر فقط ، يفكك جميع الأشياء . هذا بالإضافة إلى أن أولئك الملحدين الذين يدمرون كل الأديان ليس من حقهم أن يستندوا إلى الدين لكي يتحدوا)[1] . فالحقيقة أن الملاحدة ليس عندهم اعتبار للقيم التي تربط أواصر المجتمع كالعهد والقسم ، فأي معنى للحياة الزوجية عند الملحد والزواج ميثاق غليظ كما هو معلوم ؟ وكيف يقسم الملحد أمام القاضي عند الإدلاء بشهادته ؟ وكيف تكون لكلمته أي قيمة في المعاملات المالية أو الاجتماعية ؟ وكيف يمكن الثقة بملحد وهو يقسم على احترام الدستور في البرلمان ؟ أو عند تولي أي منصب سيادي ؟ هل يجوز لملحد أن يقسم بالله الذي ينكر وجوده ؟ وهل يصح عقلاً هذا القسم أصلاً ؟ فضلاً عن السؤال الحيوي الذي يبرز في هذا الإطار وهو : كيف يمكن الثقة بمن يكون القسم بالله في نظره بلا قيمة ولا اعتبار ؟

فحقيقة الأمر أن الإيمان بالله ضمان لسلامة المجتمع وحفظه من التردي والفشل ، وقد أدرك فلاسفة اليونان القدامى مثل أفلاطون وسقراط هذه المسألة فاخترعوا مفهوم الكذبة النبيلة noble lie التي يتم عن طريقها ابتداع أفكار دينية عن الإله بين الناس تدفعهم لفعل الخير وتجعلهم أكثر حرصًا على المجتمع والدولة وعلى بعضهم البعض[2] . وقد تأثر بهذا النهج الفلاسفة المنتسبون للإسلام مثل ابن سينا والفارابي وابن رشد وقالوا إن للشريعة ظاهرًا وباطنًا ، فالظاهر للعوام من الناس حتى تستقيم أحوالهم والباطن للخاصة من العلماء ، وأن الرسل إنما جاؤوا بالخيالات وضرب الأمثال وليس خطابهم على ظاهره ، ولهذا نقضهم الغزالي وابن تيمية وغيرهما من علماء المسلمين .

ولأجل هذا نجد منظمات إلحادية مثل شبكة بحر الإيمان Sea of Faith Network تدعو إلى التمسك بالإيمان الديني مع الإقرار بأنه من اختراع البشر[3] . فهذا كله برهان على أهمية الدين والإيمان لسلامة المجتمع وتماسكه وأنه حتى عقلاء الملاحدة واللاأدريين يسعون للحفاظ على دور الدين في المجتمع مع اعتقادهم بأنه من اختراع البشر .


----------------------------------------------------------------------------------------
[1] جون لوك ، رسالة في التسامح ، ص57 ترجمة منى أبو سنة ، نشر مكتبة الأسرة 2005
[2] Plato, The Republic, Book 3, 414b-415d
[3] http://www.sofn.org.uk/