حكم الاستعانة بأمريكا ضد داعش

  • 659

حول مسألة الانضمام لتحالف الولايات المتحدة في محاربتها لخوارج داعش أتناول ثلاث مطالب:

- حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار.

- حكم الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين من البغاة والخوارج (وهو المقصود).

- إسقاط الأحكام على الواقعة المذكورة.



المطلب الأول: فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين، الأول: أنه يجوز الاستعانة بهم في قتال الكفار إذا دعت الحاجة لذلك شريطة أمرين، الأول: إن يؤدي ذلك لظهور الإسلام بحيث يكون حكم الإسلام هو الظاهر بعد ذلك، الثاني: إن يكون الكافر مأمون الجانب، وهذا قول الشافعي ومذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة.

قال محمد بن الحسن الشيباني: ((ولا بأس بإن يستعين المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك إذا كإن حكم الإسلام هو الظاهر عليهم))، وقال كمال الدين ابن الهمام: ((وهل يستعان بالكافر؟ عندنا إذا دعت الحاجة جاز)).

وقال النووي: ((تجوز الاستعانة بأهل الذمة وبالمشركين في الغزو، ويشترط إن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين، ويأمن خيانتهم، وشَرَط الإمام والبغوي وآخرون شرطا ثالثاً وهو: إن يكثر المسلمون بحيث لو خإن المستعإن بهم، وانضموا إلى الذين يغزوهم، لأمكننا مقاومتهم جميعا))، و قال ابن قدامة: ((ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم [وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي يدل عليه أيضا عند الحاجة])).

واستدلوا على ذلك بما يلي:

- خروج صفوإن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين والطائف وهو ما زال مشركا واستعارته السلاح منه في حنين ( أخرجه مالك وابن حبإن وحسنه الارناؤوط ) وأجيب عنه بإن صفوإن خرج من غير طلب حمية لقومه فالمنع متجه للاستعانة لا لمن خرج اختيارا، وتعقبه الحافظ بقوله ( وهي تفرقة لا دليل عليها ولا اثر لها والتقرير يقوم مقام الأمر ) بتصرف .

- ما رواه ابن ابي شيبة عن الزهري إن النبي صلى الله عليه وسلم كإن يغزو باليهود ويسهم لهم كسهام المسلمين، وأجيب عنه بالضعف ومراسيل الزهري ضعيفة لأنه من صغار التابعين، ومثله ما رواه البيهقي عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم وهو كسابقه ضعيف تفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك قاله البيهقي .

- ما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخبر ( أخي النجاشي ) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((ستصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم فتنصرون وتغنمون)) الحديث ولم يذمهم على ذلك فدل على الجواز، ويمكن إن يجاب عنه بأنه ذكر محض لما سيحدث دون مدح أو ذم وليس في هذا تقرير ولا منع مثل إخباره بالتطاول في البنيإن وولادة الامة ربتها .

- مقاتلة قزمإن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك وعقب صلى الله عليه وسلم فقال ( إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ).

القول الثاني: هو المنع من الاستعانة بالمشركين إلا عند الضرورة وهذا قول المالكية والصحيح عند الحنابلة، قال الشيخ خليل بن إسحاق في مختصره: ((وحرم استعانة بمشرك ))، وقال المرداوي ( صاحب الإنصاف ): ((والصحيح من المذهب: أنه يحرم الاستعانة بهم إلا عند الضرورة))
واستدلوا على ذلك بما يلي:


- ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا من المشركين كان معروفا بالجرأة والنجدة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى بدر في حرة الوبرة فقال جئت لأتبعك وأصيب معك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ((تؤمن بالله ورسوله )) قال لا قال ((ارجع فلن أستعين بمشرك)) قالت ثم مضى حتى إذا كنا في الشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال له أول مرة فقال ((تؤمن بالله ورسوله)) قال لا قال ((ارجع فلن أستعين بمشرك)) ثم لحقه في البيداء فقال مثل قوله فقال له ((تؤمن بالله ورسوله)) قال نعم قال ((فانطلق)) وغيره من الأحاديث التي تدور حول نفس المعنى، وأجازوها للضرورة كما سبق بيانه .

- واستدلوا كذلك بكل الآيات التي فيها النهي عن موالاة الكفرة ومناصرتهم وتسليطهم على المسلمين قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة .

قال ابن خويز منداد: هذه الآية تضمنت مع مثيلاتها المنع من التأييد والانتصار بالمشركين ونحو ذلك .

وما سبق بيانه هو حالة الاستعانة أما لو قاتل معنا من غير طلب فأجازه المالكية وحملوا عليه حديث صفوان، قال الدردير في شرحه لمختصر خليل: ((استعانةٌ بمشرك: السين والتاء للطلب، فإن خرج من تلقاء نفسه لم يمنع على المعتمد))

وقال الخرشي: ((يعني أنه يحرم علينا إن نستعين بكافر في الجهاد إلا إن يكون خادماً لنا في هدم أو حفر أو رمي منجنيق وما أشبه ذلك والسين للطلب فالممنوع طلب إعانتهم وحينئذ فمن خرج من تلقاء نفسه لا يحرم علينا معاونته وهو ظاهر سماع يحيى خلافاً لأصبغ)) .

والصحيح إن شاء الله هو قول المجوزين عند الحاجة وإن لم تصل للضرورة بالشروط المذكورة وأحاديث المنع إما إن تحمل على النسخ لأنها متقدمة على حديث صفوإن أو تحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رده لمصلحة ما، كأنه رجا إسلامه فاشترط عليه تقدم الإسلام. قال الشافعي رحمه الله (( الذي روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد مشركا أو مشركين وأبى أن يستعين بمشرك كان في غزوة بدر، ثم إنه عليه السلام استعان في غزوة خيبر بعد بدر بسنتين بيهود من بني قينقاع واستعان في غزوة حنين سنة ثمإن بصفوإن بن أمية وهو مشرك فالرد الذي في حديث مالك إن كإن لأجل أنه مخير في ذلك بين أن يستعين به وبين أن يرده كما له رد المسلم لمعنى يخافه فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان لأجل أنه مشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بالمشركين، ولعله عليه السلام إنما رد المشرك الذي رده في غزوة بدر رجاء إسلامه قال: وذلك واسع للإمام إن يرد المشرك ويأذن له )) والسبيل والسلطان هو اليد وهي للمسلمين وليست للكفرة وهذا شرط من جوز فلا وجه لكلام ابن خويز منداد .


- حقيقة الخلاف: لعله عند التأمل والغوص في أقوال أئمة المذاهب نجد أن الخلاف يقل ويقترب من اللفظي وتتلاشي عند بعض الفقهاء المسافة بين الحاجة والضرورة فالجميع يمنع من الاستعانة الا عند الحاجة وللإمام النظر في هذه الحاجة بما يحقق مصلحة المسلمين ويدفع عنهم ويؤدي لرفعة وظهور الدين، فتكون المسألة داخلة في السياسة الشرعية التي يراعي الامام فيها المصلحة للأمة .



المطلب الثاني: حكم الاستعانة بالمشركين على المسلمين من البغاة والخوارج.



اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

- القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز الاستعانة بغير المسلمين في قتال البغاة والخوارج من المسلمين.


قال القرافي من المالكية في قتال أهل البغي: ((ولا يقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم، ولا يستعان عليهم بمشرك)) وقال الصاوي: ((ولا يستعان عليهم بمشرك و لو خرج من نفسه طائعاً بخلاف الكفار((.

وقال النووي من الشافعية: ((لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم ولهذا لا يجوز لمستحق قصاص أن يوكل كافراً باستيفائه ولا للإمام إن يتخذ جلادا كافراً لإقامة الحدود على المسلمين))
وقال ابن قدامة من الحنابلة: ((ولا يستعين على قتالهم – أي البغاة - بالكفار بحال ولا بمن يرى قتلهم مدبرين)).

واستدلوا على ذلك بأن فيها تسليطا للكفار على المسلم وهو لا يجوز، ولأنه لو لم يمكنه قتالهم أرجأ قتالهم، ولأنه ليس المقصود قتلهم بل كفهم وردعهم.


-القول الثاني: ذهب الحنفية إلى جواز الاستعانة بغير المسلمين على بغاة المسلمين، ولكنهم اشترطوا إن يكون حكم الإسلام هو الظاهر ( حتي لا يؤدي ذلك لظهور الكفر وتسلطهم على المسلمين )
قال السرخسي الحنفي: ((وإن ظهر أهل البغي على أهل العدل حتى ألجأوهم إلى دار الشرك فلا يحل لهم أن يقاتلوا مع المشركين أهلَ البغي؛ لأن حكم أهل الشرك ظاهر عليهم ولا يحل لهم إن يستعينوا بأهل الشرك على أهل البغي من المسلمين إذا كان حكم أهل الشرك هو الظاهر، ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بقوم من أهل البغي وأهل الذمة على الخوارج إذا كإن حكم أهل العدل ظاهراً((.

والأرجح هو المنع ما لم يصل للضرورة، قال ابن حزم وهو من المانعين من الاستعانة بالكفار مطلقا (هذا عندنا - ما دام في أهل العدل منعة - فإن أشرفوا على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة، فلا بأس بأن يلجئوا إلى أهل الحرب، وأن يمتنعوا بأهل الذمة، ما أيقنو أنهم في استنصارهم: لا يؤذون مسلما ولا ذميا - في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل).



المطلب الثالث: في إسقاط هذه الاحكام على محاربة داعش.


عند مناقشة مثل هذه الوقائع دائماً ما يحدث الخلل في توصيف الواقع، وتثار مسألة الاستعانة بالكفار مع أن الواقع يكون تسليطا للكفار على بلاد المسلمين وتدميرها ونهب ثرواتها، حيث تكون جيوش الكفار أكثر عددا وعدة وقوة وإمكانيات، مما يؤدي لظهور الكفار على بلاد المسلمين وتسلطهم على المسلمين أنفسهم. والواجب على المسلمين هو أن يمتثلوا أمر ربهم ويقيموا شرعه ما استطاعوا، ويقيموا العدل بينهم ويقاتلوا أهل البغي والخوارج. وما لم يتحقق ذلك فلا يحل لأحد أن يوصّف الأمر على أنه استعانة جائزة بالكفار، فقد سبق من كلام أهل العلم ما يبين شروط ذلك، وهي ما ليست متحققة في الواقعة المذكورة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.