ضريبة القيمة المضافة.. مسمار جديد في نعش الغلابة

  • 167
أرشيفية

 

ضريبة القيمة المضافة.. مسمار جديد في نعش الغلابة

خبراء: لا يمكن ضبط التلاعب بالأسعار والدستور ينص على حرية السوق

تشغيل المصانع المتوقفة وزيادة نسبة الإنتاج.. الحل الأمثل لأزمتنا الاقتصادية

 

تستمر معاناة المصريين في مواجهة غول ارتفاع الأسعار منذ سنوات، فرغم الإصلاحات -حسبما ترى الحكومة- التي  تقدمها الدولة، تزيد أوجاع المواطنين خاصة بعد تحرير سعر صرف الجنيه، وتحريك أسعار الوقود والمحروقات، بالإضافة إلى زيادة أسعار الدواء والكهرباء والمياه.

موجة الغلاء أعادت إلى الواجهة ضريبة القيمة المضافة التي فرضت قبل نحو عام تقريبًا، وحدد لها نسبة 13% من تكلفة أو سعر المنتج أو السلع، ومؤخرًا تم تحريك نسبة هذه الضريبة مجددًا لتصل إلى 14%.

في هذا السياق، قال الكتور محمد عطوة، أستاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة، إن ضريبة القيمة المضافة يتم فرضها على مراحل مختلفة وبنسب متفاوتة، ومن المقرر أن تصل قيمتها إلى 15%، وتختلف باختلاف نوع السلعة وباختلاف مراحل الإنتاج، موضحًا أن بعض السلع يفرض عليها ضريبة والبعض الآخر لا يفرض عليه.

وكشف عطوة لـ "الفتح"، أن ضريبة القيمة المضافة الحالية بديلة عن ضريبة قديمة كانت موجودة من قبل وكانت تسمى ضريبة الاستهلاك، وبلغت قيمتها حينها 10% من تكلفة وسعر السلعة أو المنتج، لافتًا إلى أن ضريبة القيمة المضافة قد تحقق بعض المزايا حال تطبيقها بشكل صحيح، موضحًا أنها كفيلة بمنع التهرب الضريبي أو الحد منه بشكل كبير، فإذا ما نجح أحد في التهرب الضريبي أثناء مرحلة من مراحل الإنتاج فإنه لا يمكن أن يتهرب في المرحلة الأخرى في ظل التطبيق الصحيح لهذه الضريبة.

وأوضح أن ضريبة القيمة المضافة تختلف باختلاف السلعة، وهناك سلع للفقراء وأخرى خاصة بأصحاب الدخول المتوسطة، كما توجد سلع خاصة بأصحاب الدخول العالية؛ مشيرًا إلى أن ضريبة القيمة المضافة مطبقة في جميع دول العالم، وتتراوح قيمتها في بعض البلدان ما بين 40 : 60%، ولكن في المقابل توفر حكومات هذه الدول الخدمات المختلفة بشكل مجاني أو بسعر مخفض، فضلًا عن توفير شبكات الطرق وتطوير التعليم، بل ومجانية التعليم في بعض البلدان وغيرها من الخدمات.

ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن ضريبة القيمة المضافة موجودة بنسبة عالية في بلد مثل السويد، لكن الطالب السويدي لا يدفع أية مصاريف تذكر منذ دخول "كي جي" وحتى التخرج، بل والبعض يحصل على معاش أو راتب عند بلوغ سن معين، وكل ذلك نظير ضريبة القيمة المضافة.

ويرى أنه يمكن إقناع المواطن بأهمية ضريبة القيمة المضافة، وأن ذلك يكون حين يتم توفير الخدمات بشكل عالي الجودة وبأعلى المستويات، فضلا عن علاج قضية التهرب الضريبي المنتشرة بين أصحاب الدخول العالية، ويتهربون منها بأساليب متنوعة؛ مؤكدًا خطورة التهرب الضريبي لا سيما في صفوف الأغنياء، مشيدًا بتجربة بطرس غالي في هذا الأمر، حيث نجح في الحد من التهرب الضريبي وأصبح إعلان الضرائب يذاع على شاشات التلفاز بشكل مستمر، ووضع خطة أو مبدأ جعل الناس يدخلون منطقة الضرائب بأنفسهم.

وأضاف "عطوة" أن الأهم ألا نبحث عن قيمة الضريبة المضافة، بل الأهم أن نبحث عما قدمته الدولة من خدمات نظير فرض هذه الضريبة وتحصيلها، فضريبة القيمة المضافة لن تحظى بقبول المواطن وقد تلقي بتبعاتها عليه، لكن تقديم خدمات جديدة وتحسين مستوى الخدمة يقلل من تبعات هذه الضريبة ويشعر المواطن بنوع من الطمأنينة.

من جانبه، قال يسري طاحون، أستاذ الاقتصاد جامعة طنطا، إن قانون ضريبة القيمة المضافة تم تطبيقه من سنوات وفعّلته الحكومة، لكن ما حدث خلال هذه الفترة هو رفع النسبة من 13% إلى 14%، مشيرًا إلى تقديره لكل ما تفعله الحكومة من إجراءات اقتصادية؛ موضحًا أن الخطأ يكون لدى الحكومة عندما لا تلجأ إلى توفير الضمان الاجتماعي وحماية اجتماعية للمواطن محدود الدخل قبل هذه الإجراءات الاقتصادية الصعبة حتى لا يتأثر بها.

وشدد طاحون خلال تصريحه لـ "الفتح"، على ضرورة سعي الحكومة لبناء شبكة ضمان اجتماعي قوية شاملة لجميع أطياف الشعب؛ حتى تعلم من الذي قد يتضرر من قرار الضريبة المضافة، موضحًا أنه بناء على هذه الشبكة والمعلومات المتوافرة فيها يمكن للحكومة اتخاذ الإجراءات التي تقلل أو تمنع وقوع هذا الضرر؛ وذلك يكون عبر توفير شبكة ضمان اجتماعي تشمل الدولة كلها وتغطي كل المحافظات لا محافظة دون غيرها.

وأوضح أن ضريبة القيمة المضافة على وجه الخصوص وإجراءات الإصلاح الاقتصادي بوجه عام، سيكون لها تداعياتها على العاطل والمريض والمعاق وصاحب المعاش الضعيف أو من ليس له معاش من الأساس؛ منوهًا بأن هذه الإجراءات أفقدت الجنيه المصري كثيرًا من قيمته الشرائية، وأن السلعة التي كانت بـ 10 جنيهات على سبيل المثال أصبحت بـ20 جنيهًا، هي في الحقيقة لم يرتفع سعرها إنما انخفضت قيمة الجنيه، وأن بعض الباعة أو التجار قد يكونوا معذورين في رفع أسعار السلع؛ نظرًا لارتفاع سعر الدولار والإصلاحات الاقتصادية الأخيرة.

وتابع أستاذ الاقتصاد، أن ضريبة القيمة المضافة موجودة في كل دول العالم ويسمونها بـ "ضريبة الشيطان"؛ نظرًا لأن المستهلك يدفعها دون أن يشعر، مضيفًا أنه عند شراء سلع أو بضاعة بـ1000 جنيه، يكون هناك على الأقل 200 جنيه ضريبة قيمة مضافة دون أن ندري، مؤكدًا أن ضريبة القيمة المضافة تحقق حصيلة ونسبة دخل كبيرة للدولة ولا يشعر بها المستهلك، ولا يشعر بأنه دفع ضرائب؛ لأن المنتج وضع قيمتها مباشرة على السلعة.

وعن كيفية ضبط الأمر وتطبيق قانون القيمة المضافة بشكل صحيح دون التلاعب بأسعار السلع بدعوى القيمة المضافة، أكد "طاحون" أنه لا يمكن ضبط التلاعب في الأسعار؛ نظرًا لأن الدستور المصري ينص على أن السوق حر، ولا يعترف برقابة الأسعار أو التسعيرة الجبرية.

وأكد أن بعض التجار والمنتجين رفعوا الأسعار بنسبة 100% عند قرار تعويم الجنيه، ولما تقبلها الشعب سيكرروا الكرة ثانية عند أي سبب، كارتفاع أسعار المحروقات أو الكهرباء أو رفع نسبة القيمة المضافة، فضلا عن حالة عدم الاستقرار التي يشهدها السوق؛ فالبائع لا يضمن أن يشتري بضاعته المقبلة بنفس السعر، ويخاف أن يرتفع سعرها فيلجأ مباشرة إلى رفع سعر المنتجات التي لديه.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة تسوق لقرار الضريبة ورفع نسبتها، بطرح رؤية معقدة إلى حد ما، وأنها تخاطب المواطنين بأن الضريبة تصب في مصلحة المواطن، وذلك قد يكون حقيقة إذا ما تم بالفعل تحسين الخدمات المقدمة كالمواصلات العامة وتمهيد الطرق ودعم أسعار الكهرباء والمحروقات، إلا أن الواقع يشير إلى أن كل هذه الخدمات ارتفعت تكلفتها وأسعارها بدلًا من دعمها.

 

ولفت إلى أن الحكومة تعتبر قدوة للتجار والصناع، فإذا قررت رفع الأسعار فمن الطبيعي أن يتجه هؤلاء لاتخاذ نفس القرار أيضا، مشيرًا إلى أن الحكومة كان لديها بدائل أخرى بدلا من فرض الضرائب وتخفيض الدعم، مؤكدًا أن الحل يكون عن طريق زيادة حجم الإنتاجية حتى يكثر العرض ويقل السعر؛ فالمصانع التي لا تعمل بكامل طاقتها وتنتج 60 % فقط من إنتاجيتها، وكذلك المصانع المتعثرة أو التي أعلنت إفلاسها، يجب تذليل العقبات أمام هؤلاء بشكل يسمح بزيادة الإنتاج وكثرة العرض؛ وبالتالي انخفاض الأسعار.

وعبّر عدد من المواطنين عن استيائهم من الوضع الحالي ومن غول الأسعار الذي أصبح يؤرق عليهم حياتهم، مؤكدين أنهم لا يمانعون من أن تأخذ المنتجات سعرها الطبيعي كما هي متوفرة في العالم، ولكن لابد من وضع خطة بديلة لرفع الدخل، وألا يكون الإصلاح على حساب المواطن الفقير فقط.