يا صغيرتي..

  • 183
أرشيفية

بقلم- مريم العامرية


يا صغيرتي، لعل ما يُقال لكِ الآن قد سمعتيه من ذي قبل، قد قرأتيه، قد علمتيه، ولكن المستحدث هذه المرة أنني مثلك، لم تتجاوز أعمارنا بضع وعشرين عامًا، فلنتناصح سويًا بما أننا في نفس العمر وعلى نفس الهوية.

هناك نساء فعلنَ ما لا يستطيع بعضُ الرجالِ أن يفعلوه الآن في زماننا، أترينَ أمُّكِ عائشة وهي ابنة الثامنة عشر من عمرها ويموت عنها حبيبها ورفيقها ومتنفسُها الوحيد النبي صلى الله عليه وسلم، وها هي تُعلِّمُ الصحابةَ ويتعلمون، تُفقِّهُ الصحابةَ ويتفقهون، سبقتهم بالكثير وحظيتْ بالكثير والكثير من منهال النبوة العلمي، فانهالت عليهم بنفحات نور العلم.

فهلَّا سلكتِ الدرب في تحصيل ذاكَ الشرف الذي شَرُفَتْ به أم المؤمنين؟؟ وفي تحصيل الهمة التي تداركتها حتى أصبحت هي منارة نساءِ العالمين في العلم الشرعي، يا صغيرتي، إن العالمَ من حولنا يضيقُ ولا يتسع إلا بالعلم، فهلَّا دَفَعْتِ عن نفسكِ ظُلمة ذلك الضيق وخرجتِ إلى أوسعِ الطريق؟!

يا صغيرتي، هل تُرانا على مثل ما كان عليه سلفنا الصالح؟ هل تُرانا نخطو خطوهم ونقتفي أثرهم؟، يا صغيرتي، الموت قريب والزاد قليل، وظلمة القبر موحشة، ولا ينيره إلا عملك المسبوق برحمة خالقك، يا صغيرتي، دنيانا فانية، والقلوب خالية، والأبدان واهية، فهلَّا مددتِ إليَّ يديكِ لنهروِلَ تجاه منابر نور العلم؟!

يا صغيرتي، هذه يدي، وذاك قلبي، وتلك جوارحي، تنادي عليكِ للحاق بركبِ العمل ومركب النجاة، يا صغيرتي، العلم لا يأتينا بل نحن نزحفُ إليه، العلم لا يُعطينا بعضه حتى نُعطيهِ كلنا، العلم لا يصلح لقلبٍ خاوٍ خالٍ من الذكر، يا صغيرتي، كفى بالأمة جراحًا تندمِلُ، وتنزف دمًا قد أغرقها وأغرق يابسها وأخضرها، هيَّا صغيرتي لنسلك درب العلم، ونطلب شرف الانتساب لقوله تعالى: {يَرْفَعِ ٱللّٰهُ ٱلذِّينَ ءآمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلذِّينَ أُتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فنحنُ بحاجةٍ لرفعِ درجاتنا وعلوِّ مكانتِنا، هنا في الدنيا كي نتنزه عما يغرينا ويبعدنا عن الطريق، وهناك في الجنة حتى نحظى بشرف لقاء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم.

يا صغيرتي، روحي لروحك سياجٌ متصلٌ يريد أن ينطلق في عالم العلمِ ويستكمل إحاطته بصحبة العلماء، ويروي سيقانه وأعواده بماء التفقه الذي هو الخير المنوط المُهْدَى لأهله "من يُرد اللّٰه به خيرًا يفقهه في الدين".