عاجل

سلسلة نساء رائدات "1"

  • 147
أرشيفية


وهانحن نواصل الإبحار والتنقيب عن سير الرائدات فهن كن لآلئ في ذلك البحر الذي لا ينضب أبدًا، ولؤلؤتي ورائدتي اليوم قد اشتهرت بالزهد والصبر الجميل على طاعة الله وعبادته، وكانت كثيرة الصيام طويلة القيام، كما اشتهرت بشدة تمسكها بتعاليم الإسلام الحقة، وطاعتها للَّه ولرسوله.

إنها "أم الهذيل الفقيهة الأنصارية حفصه بنت سيرين"، أهم ما تميزت به رائدتنا أنها كانت محدثة جليلة، روت عن كثيرين وروى عنها الكثيرون، وبجانب هذا التميز لرائدة الزمان، كان لها صفات ميزتها عن الأنام،

وهي أن نجاحها قد اكتمل الأركان في النفس والأسرة والعمل وخدمة الأوطان، أما عن نجاحها في نفسها بأن جعلت من تزكية النفس والاحتياط لدينها، والتمسك بتعاليمه والاعتراف بقدراتها وقيمة وقتها وترويض النفس على عيش الواقع منهجًا تسير عليه في حياتها؛ فكانت تزكي نفسها دائمًا بقراءة القرآن وتبذل كل البذل في طلب العلم، فقد أدركت معنى وقيمة العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولادرهمًا وإنما ورثوا العلم، وكانت تحتاط لدينها، وتتمسك بتعاليمه، حتى أنه قد ورد عن سفيان ابن عيينه أنه قال: "كنا ندخل على حفصه بنت سيرين فنجدها وضعت الجلباب هكذا وتنقبت به، فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}، فكانت تقول هو إثبات الجلباب، وكانت تعترف بقدراتها وعقلها، فحفظت القرآن وهي في الثانية عشرة من عمرها، بل وتدبرته، كل ما هناك أنها لم تقل إني صغيرة، وسأفعل عندما أكبر، بل اعترفت بقيمة عقلها ونضجه، فاستغرقته فيما يفيد.

وكانت تعرف قيمة وقتها وشبابها، فأمضته في عبادة وتقوى، وكانت تقول: "يامعشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني رأيت العمل في الشباب"، وكانت تروض نفسها على أن تعيش الواقع دون تجمل، فكانت تتوقع الموت في كل لحظة حتى ورد أنها كانت تحتفظ بكفن دائم لها، أما إذا أردنا أن نتحدث عن نجاحها في أسرتها فنجد أنها أدركت حقيقة أن تكون فردًا في أسرة، أدركت أن نهجها نهجهم وعليها أن تكمل مسيرتهم وتكون عونًا لهم، فإذا نظرنا إليها نجد أنه كان لها ستة من الإخوة، كلهم يشتغلون بالقرآن والحديث؛ فما استنكرت نهجهم بل أكملت مابدأوه لتصير محدثة جليلة يقصدها كل من أراد العلم، وكذلك كانت عونًا لهم حتى أنه قد ورد أن أخاها محمد ابن سيرين –الفقيه المعروف- كان إذا اُستشكل عليه شيء من القرآن، قال: اذهبوا إلى حفصة واسألوها كيف تقرأ؟

أما عن نجاحها فيما ارتضته عملًا لها ومهنة تمتهنها، فقد بذلت كل البذل حتى جعلت من نفسها محدثة جليلة وفقيهة نبيلة، يقصدها كل من أراد العلم، أما عن نجاحها في خدمة وطنها، فإدراكها لقيمة شبابها واغتنامه خدمة لوطنها، وإدراكها لأهمية العلم ونشره خدمة لوطنها، واهتمامها بتزكية نفسها خدمة لوطنها،

فرحم الله أسطورتنا العظيمة فقد توفيت -رحمها الله- عام 92 هجريًّا، وعمرها سبعين عامًا أمضتها في عبادة وطاعة.