شاورهنّ

  • 189
أرشيفيه


وردت أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقلل من شأن المرأة بل إنّ معانيها مخالفة لما ورد في الأثر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وصحابته، ومنها حديث "شاوروهن وخالفوهن"، يعني: النِّساء، قال السيوطي: "باطلٌ لا أصل له"، وقال السخاوي: "لم أره مرفوعًا".


وقد ورد في معانيه مرفوعًا عن عمر أنه قال: "خالفوا النساء، فإنَّ في خلافهن البركة"، بل يُروى أيضا من حديث أنس: "لا يفعلنَّ أحدكم أمرًا حتى يستشير، فإن لم يجد من يستشير، فليستشر امرأة، ثم ليخالفها، فإن في خلافها البركة"، هذه الروايات الثلاث باطلة مغلوطة المعنى لما ورد من أحاديثٌ صحاح تُخالف ذلك، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية أنه نزل على رأي زوجته أم سلمة، وكان رأيها سديدًا وغيّر مجريات الأمور، فعمل بمشورتها، فقد روى الإمام أحمد بسنده قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ومشركي قريش قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس انحروا واحلقوا"، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل على أم سلمة فقال: "يا أم سلمة! ما شأن الناس؟" قالت: "يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانًا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك"، فخرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لا يُكلم أحدًا حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون.


فكان رأي أم سلمة -رضي الله عنها- رأيًا موفقًا، وفيه دليل على استحسان مشاورة المرأة مادامت ذات فكرٍ صائب، كما أنّ الإسلام لم يفرق بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شئونها، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، وقد ثبت عن عمر -رضي الله عنه- صحيحًا أنَّه خالف هذه الآثار -الضعيفة والموضوعة- كثيرًا، فكان يُقدّم الشِّفاء بنت عبدالله في الرأي ويرضاها، وثَبَت عنه أنَّه استشار النِّساء في كم تصبر المرأة على فراق زوجها، وسنّ احكاماً بناءً على رأيهن.
فهذه الأحاديث الصحيحة الواردة تدل على حكمة المرأة الصالحة ورجاحة عقلها، وأهمية الأخذ برأيها، والاستفادة بعلمها، ولا ينقُص هذا من حق الرجل بل أنه دليل على فهمه وعلمه واقتدائه بفعل نبيه وصحابته.
ولا نجد ردًا على أصحاب الهوى الذين ادعوا أن الإسلام كبت المرأة، وانقص حقها، خيراً من قصة أم سلمة مع النبي، حيث تشير امرأة على نبي مُرسل ويعمل بمشورتها وينزل على رأيها في مشكلة واجهته في حياته، لهو أعظم وخير دليل على تكريم المرأة ورفعة لمكانتها.
فأنت أيتُها المرأة المسلمة العاقلة لا تتهاوني بقدرك، ولا تتركي مكانك، وأري الله منك خيرًا أينما حللت، زوجة كنت أو أمًّا أو ابنة وأختًا، تُصلحين ما استطعتِ في حدود ما صرح لك به الشرع الحكيم دون فتنة أو تقصير.