• الرئيسية
  • الأخبار
  • إبراهيم حافظ عضو المركز الإعلامي الروهينجي لـ"الفتح": الحكومات المتعاقبة في ميانمار تواطأت مع الرهبان لطمس الهوية الإسلامية

إبراهيم حافظ عضو المركز الإعلامي الروهينجي لـ"الفتح": الحكومات المتعاقبة في ميانمار تواطأت مع الرهبان لطمس الهوية الإسلامية

  • 226
إبراهيم حافظ عضو المركز الإعلامي الروهينجي

واقع الروهينجا السياسي والاجتماعي ازداد سوءًا في ظل حكم المعارضة البورمية

ميانمار تفرض على المسلمين الأسماء البوذية وتمنع حفظ القرآن

إقليم أراكان أصبح بمثابة سجن كبير للمسلمين يتوقون إلى الخروج منه بشتى الطرق

نصف مليون مهاجر روهينجي ينتظرون مصيرًا مجهولًا قاتمًا في بنجلاديش

مخيمات النازحين في مدينة أكياب تشهد ازديادًا في معدلات وفيات الأطفال والنساء

لجنة "كوفي عنان" استشارية يقتصر عملها على تقديم التوصيات لا الحل الجذري

تضافر جهود الأمة الإسلامية شعوبًا وحكومات أمر ضروري لنصرة قضيتنا الإنسانية

 

لسنوات عديدة يتعرض مسلمو أراكان لانتهاكات بشعة، تارة على أيدي الحكومات المتعاقبة، وتارة من قبل الرهبان البوذيين الذين ارتكبوا فظائع ترتقي لجرائم حرب، وانتهاء في مخيمات النزوح في مدينة أكياب، وبنجلاديش وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند والهند وغيرها، حيث يعيشون في أوضاع مزرية يصعب وصفها.

 

"الفتح" التقت بعضو المركز الإعلامي الروهينجي إبراهيم حافظ، للوقوف على حقيقة الأوضاع المأساوية، حيث أكد تواطؤ الحكومات المتعاقبة في ميانمار مع الرهبان والبوذيين المتطرفين في محاولات عديدة وناجحة لطمس الهوية الإسلامية لمسلمي أراكان.

 

وأوضح "حافظ" أن من أبرز الانتهاكات التي تعرضوا لها الاعتداء على جوامع ومساجد تاريخية شهيرة في إقليم أراكان بهدمها أو حرقها أو إغلاقها وتعطيلها عن أداء دورها، ومضايقة الروهينجا في أداء الشعائر الدينية، وإحياء المناسبات الدينية، بالإضافة إلى إجبار الروهينجا على تسمية أبنائهم بأسماء بوذية وحظر تسميتهم بأسماء إسلامية.

 

ولفت عضو المركز الإعلامي الروهينجي، إلى أن واقع الروهينجا السياسي والاجتماعي لم يتغير في ظل حكم المعارضة البورمية بزعامة أونغ سان سو تشي، مؤكدًا أنه ازداد سوءًا في بعض الجوانب، وهو ما مثّل خيبة أمل كبيرة لكل الآمال والطموحات التي كانت تتطلع إلى شيء من الانفراجة في الأزمة بعد التغيير السياسي الذي شهدته البلاد والتحول الديمقراطي الذي استبشر به العالم بعد نضال طويل ضد الحكومات السابقة.. فإلى نص الحوار:

 

الخلفية التاريخية أمر هام لفهم أي قضية، فهل تحدثنا عن جذور محنة الروهينجا؟


الإسلام وصل إلى منطقة أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد عن طريق بعض التجار العرب الذين دفعتهم الأمواج إلى الساحل الغربي لإقليم أراكان واستوطنوا هناك؛ حيث تزاوجوا بالسكان الأصليين ودعوهم إلى الإسلام.

 

وانتشرت الدعوة الإسلامية بشكل سريع في المنطقة حتى أصبحت أراكان مملكة إسلامية مستقلة لعدة قرون يحكمها ملوك من أبنائها قبل أن يحتلها الملك البوذي بودابايا في عام في عام 1784م الذي قام بضمها إلى بورما (الاسم السابق لميانمار) كولاية تابعة لها خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة.

 

ومن حينها بدأت محنة مسلمي الروهينجا، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين من عرقية الماغ على ذلك.


وكانوا ينفذون كل عشر سنوات تقريبا حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية راح ضحيتها مئات الألوف من الروهينجا حتى اندلعت الأزمة من جديد في 2012م بأحداث عنف مفتعلة ضد الروهينجا في مدينة أكياب وغيرها من المدن الأراكانية، وتمثلت في محرقة بوذية كبرى وأعمال عنف وقتل واغتصاب وسجن، ومازالت مستمرة حتى اليوم.

 

-كيف انحسرت الدعوة الإسلامية في أراكان، وما مظاهر اضطهاد المسلمين خلال حقبة الاستعمار البريطاني، وما بعدها؟


واجه المسلمون الاستعمار الإنجليزي بقوة منذ قيام بريطانيا باحتلال ميانمار بما فيها إقليم أراكان في عام 1824م، حيث ألحقتها بحكومة الهند البريطانية الاستعمارية قبل أن تجعلها في وقت لاحق مستعمرة مستقلة عنها كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة ميانمار البريطانية.


وتصدى الزعماء المسلمون بكل إخلاص لمقاومة الاحتلال البريطاني مقدمين تضحيات كبيرة في هذا السبيل؛ ما جعل بريطانيا تخشاهم وتتوخى الحذر في التعامل معهم، وتخطط لإضعاف موقفهم على المدى البعيد، فبدأت حملتها للتخلّص من نفوذ المسلمين آنذاك باعتماد سياساتها المعروفة (فرِّق تَسُد)، وعملت على تحريض البوذيين ضد المسلمين، وأمدّتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً كبرى عام 1942م فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان!.

 

 وفي عام 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لميانمار شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما أن حصلوا على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، ونكثوا بوعودهم، واستمروا في احتلال أراكان بدون رغبة سكانها من المسلمين (الروهينجا) والبوذيين (الماغ) أيضاً، وقاموا بأبشع الممارسات وارتكاب أفظع المجازر التي طالت مئات الألوف من مسلمي الروهينجا.

 

 - "اليهود العرب" كان لهم دور كبير في إشعال الصراع وتحريض الرهبان ضد المسلمين، فما تفاصيل وشواهد ذلك؟


هناك دورًا خفيًا لعبه اليهود العرب خلال فترات سابقة في إذكاء الأحقاد البوذية ضد الإسلام والمسلمين عبر سلسلة محاضرات كانوا يقدمونها للرهبان البوذيين داخل معابدهم.

وكانوا يقومون في هذه المحاضرات بتقديم تفسيرات مشوهة ومحرفة لآيات القرآن الكريم التي تتحدث حول طبيعة العلاقة التي تحكم المسلمين بغيرهم، وحول آيات القتال والجهاد؛ ما أدى إلى تقديم ورسم صورة نمطية مشوهة -في أذهان الرهبان- عن الإسلام والمسلمين بصفة عامة وعن مسلمي الروهينجا بصفة خاصة؛ وذلك ما نتج عنه إثارة المخاوف والشكوك لدى الرهبان حول إمكانية قيام المسلمين بأعمال عنف ضدهم إذا لم يأخذوا هم بزمام المبادرة.

 

-كيف سعى الرهبان البوذيون لمحو الهوية الإسلامية في أراكان؟

 

تواطأت الحكومات المتعاقبة في ميانمار مع الرهبان والبوذيين المتطرفين في محاولات عديدة وناجحة لطمس الهوية الإسلامية لمسلمي أراكان، وتمثلت تلك المحاولات في عدة مظاهر من أبرزها: الاعتداء على جوامع ومساجد تاريخية شهيرة في إقليم أراكان بهدمها أو حرقها أو إغلاقها وتعطيلها عن أداء دورها، ومضايقة الروهينجا في أداء الشعائر الدينية وإحياء المناسبات الدينية، وإجبار الروهينجا على تسمية أبنائهم بأسماء بوذية وحظر تسميتهم بأسماء إسلامية، وحظر تعلم القرآن ومبادئ الدين اﻹسلامي حتى داخل بيوتهم.

 

- نود أن تنقل واقع المسلمين في بورما بالوقت الراهن، إلى أين وصل قطار الانتهاكات؟

 

إلى كل شيء، إلى كل حقوق الإنسان الأساسية المتفق عليها في الأعراف والمواثيق الدولية، ما من حق إنساني مشروع إلا وتجد الإنسان الروهينجي محرومًا منه؛ بل وصل الأمر إلى منع الروهينجا من حقهم في الحياة.

 

ومنذ اندلاع أحداث العنف المفتعلة ضدهم في 2012م أصبح إقليم أراكان بمثابة سجن كبير للروهينجا يتوقون للخروج والتحرر منه بلا جدوى رغم كل المناشدات الدولية واتفاق الأمم والشعوب على إدانة الممارسات الإجرامية ضدهم.

الروهينجا في أراكان مستثنون من حقهم في التعليم والصحة والحياة الكريمة وممارسة الشعائر الدينية والشعور بالأمن والآمان والاستقرار.

 

- برأيك.. كيف يمكن لمسلمي الروهينجا في الداخل مواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية؟

 

هناك محاولات مستميتة فعلًا من قبل الروهينجا للمحافظة على هويتهم الإسلامية قدر المستطاع رغم كل المضايقات وأشكال التنكيل التي يواجهونها بصفة يومية من قبل السلطات الميانمارية؛ ولكنها لا تعدو أن تكون محاولات فردية مؤقتة ولا تخرج عن إطار الاجتهادات الشخصية التي لا يمكن أن تصمد وتستمر وتنجح على المدى البعيد؛ ولذلك فإنهم بحاجة ماسة إلى تدخل الهيئات والمنظمات الحقوقية والدولية لدعمهم في المحافظة على الهوية الإسلامية والتراث الثقافي الخاص بهم، والذي يشكل ثروة إنسانية يجب المسارعة والمبادرة إلى إنقاذها قبل انقراضها وزوالها بالكلية.

 

- هناك عرقيات متنوعة داخل بورما؛ ولكن لماذا يحصد الروهينجيون المسلمون النصيب الأكبر من الاضطهاد؟

 

لأنهم يتمتعون بخلفية تاريخية طويلة ويملكون هوية إسلامية متميزة تختلف كليًّا عن الهوية البوذية السائدة في البلاد، والتي تتخوف من فشلها في القدرة على الصمود أمامها، ولا ننسى أن نشير إلى الدور التحريضي الذي مارسته الحكومات العسكرية المتعاقبة وبعض الأحزاب السياسية في البلاد بهدف إحداث القلاقل والاضطرابات بصفة مستمرة من أجل تحقيق مصالح سياسية.

 

- ماذا عن دول الجوار؟ لماذا لا تؤويهم؟

 

هناك أعداد كبيرة من الروهينجا في دول الجوار خصوصا في بنجلاديش التي تستضيف منهم ما يقرب من نصف مليون مهاجر روهينجي، وأعداد أقل من ذلك في كل من إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والهند وغيرها، وهم يعيشون غالبًا عالقين في أوضاع مزرية وغير إنسانية، وينتظرون مصيرًا مجهولًا قاتمًا.

 

الإشكالية في مسألة الإيواء أنها تحقق رغبة البوذيين وحكومة ميانمار، وتتوافق مع أهدافهم في التطهير العرقي لإقليم أراكان من كل وجود إسلامي أو روهينجي؛ ولهذا فإن إيواء الروهينجا في دول الجوار لا يعد هو الخيار الأمثل لحل قضيتهم على المدى البعيد، الحل يكمن في الاعتراف بهم كعرقية أصيلة في البلاد من قبل حكومة ميانمار وإعادة حقوقهم المنتزعة منهم بما فيها حق المواطنة وما يتبعه من حقوق.

 

- في 2012 ارتكبت أكبر محرقة بحق الروهينجيين المسلمين حتى هُجّروا إلى مخيمات غير إنسانية، فما أوضاع اللاجئين المعيشية والصحية الآن؟

 

النازحون الروهينجيون في مخيمات مدينة أكياب وغيرها من المخيمات بولاية أراكان يعيشون في أوضاع مأساوية وكارثية بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ لأن حكومة ميانمار عملت جاهدة طيلة السنوات الماضية على قطع كل صلة لهم بالعالم، حيث منعت وصول الوفود الدولية والمنظمات الإنسانية إليهم، وعرقلت كل الجهود والمحاولات التي سعت لكسر الحصار عنهم، وذلك ما نتج عنه التردي الكبير في أوضاعهم المعيشية والصحية، وتتفاقم الأوضاع والظروف القاسية يومًا بعد يوم، وتنتشر الأمراض وتزداد الوفيات خصوصا بين الأطفال والنساء.

 

-ماذا عن لجنة كوفي عنان الاستشارية لحل أوضاع ولاية أراكان؟ وإلى أي مدى يمكن أن تسهم في حل مشاكل الروهينجا؟

 

بداية يجب أن نأخذ في البال بعين الاعتبار أن هذه اللجنة الاستشارية التي شكلتها حكومة ميانمار يقتصر عملها على تقديم توصيات إلى الحكومة على أساس النتائج التي يتوصلون إليها، ولا يتعدى ذلك إلى التنفيذ أو الإشراف على البدء في خطوات عملية.

وتضم ثلاثة أعضاء دوليين هم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، وغسان سلامة، وهو باحث من لبنان وكان أحد مستشاري كوفي عنان، وليتيشا فاندن أسم، وهي دبلوماسية هولندية ومستشارة لدى الأمم المتحدة وذلك إلى جانب ستة أعضاء من ميانمار بينهم اثنان من المسلمين.

 

ثم لا ننسى أن هذه اللجنة المشكلة واجهت اعتراضات شديدة وقوبلت باحتجاجات عارمة من قبل المجتمع البوذي في ولاية أراكان ومن قبل أعضاء في البرلمان الميانماري بحجة أن اللجنة تضم شخصيات أجنبية غير ميانمارية وليس عندها القدرة على فهم الأوضاع والظروف الداخلية للبلاد.

 

وهناك من المحللين السياسيين والمراقبين المحليين من يشكك في نوايا حكومة ميانمار حيال تشكيل هذه اللجنة الاستشارية التي حاولت أن تضفي عليها صفة الدولية بضم شخصيات أجنبية بين أعضائها، مستندين في ذلك إلى الأوضاع المزرية المستمرة على أرض الواقع بالنسبة لأقلية الروهينجا رغم التحول السياسي الذي شهدته البلاد بانتقال السلطة إلى النظام الديمقراطي منذ عدة شهور.

 

- الأمة الروهينجية محاصَرة دعويًا واقتصاديًا وإنسانيًا.. كيف يمكن كسر هذا الحصار؟

 

لا بد من تضافر الجهود على مستوى الأمة الإسلامية شعوبًا وحكومات، ولا بد من تحريك ما يسمى بالعالم الحر تجاه قضيتهم الإنسانية العادلة، وقبل ذلك لابد من كسر الحصار الإعلامي الخانق الذي سمح للبوذيين المتطرفين بالتواطؤ مع الحكومات المتتابعة في الاستمرار في اضطهاد أقلية الروهينجا بكل أشكال العنف والإرهاب النفسي والجسدي تنفيذًا لمخطط بوذي ممنهج يرقى إلى مستوى التطهير العرقي والإبادة الجماعية حسبما جاء في تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من المنظمات الدولية.

 

- هل تغير الواقع السياسي والاجتماعي بعد فوز حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" المعارض، والذي تقوده زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي؟

 

للأسف لم يتغير شيء بالنسبة للروهينجا؛ بل ازداد الأمر سوءًا في بعض الجوانب حسبما يراه بعض المراقبين المحليين. وهو ما مثل خيبة أمل كبيرة لكل الآمال والطموحات التي كانت تتطلع إلى شيء من الانفراجة في الأزمة بعد التغيير السياسي الذي شهدته البلاد والتحول الديمقراطي الذي استبشر به العالم بعد نضال طويل ضد الحكومات السابقة.

 

- مقبلون على أيام مباركة، فكيف يقضي مسلمو الروهينجا عيد الأضحى المبارك في الداخل والخارج؟

 

أما في الداخل فإنهم محرومون من السفر والقدوم على الديار المقدسة لأداء فريضة الحج خصوصا إذا كان القدوم من ولاية أراكان، وممنوعون من التجمع لأداء صلاة العيد، ومحظور عليهم ذبح الأضاحي.

 

وأما في الخارج فإنهم بحمد الله منخرطون بقوة في خدمة الحجيج بمكة المكرمة؛ حيث تستضيف المملكة العربية السعودية مشكورة عددًا كبيرًا من الروهينجا منذ أكثر من 70 عامًا، وتقدم لهم تسهيلات كبيرة في الإقامة والتوظيف وغيرها من الخدمات المدنية.

 

- أمام هذه الصورة القاتمة ربما تكون المطالب كثيرة، لكن ما أبرز المطالب التي يحتاجها الشعب الروهينجي بشكل عاجل؟

 

الاعتراف بهم كعرقية أصيلة مسلمة في ميانمار باسم الروهينجا، وإعادة جميع حقوقهم الإنسانية بما فيها حق المواطنة، وكسر الحصار الإعلامي المفروض عليهم منذ عشرات السنين لنقل الصورة القاتمة إلى كل أنحاء العالم ولتسليط الضوء على حجم معاناتهم الإنسانية، ومواصلة الضغوط السياسية على حكومة ميانمار بهدف إحراجها ووضعها أمام التزاماتها الأدبية والأخلاقية تجاه جزء أصيل من مكونات الشعب الميانماري.