العربي: التقاعس عن إنشاء شبكة أزمات عربية سيؤدي إلى زيادة الأعباء على الدول والتأثير على أمنها القومي

  • 92
نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية


أكد الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن التحديات التي تواجهها الدول العربية توجب التعاون والعمل المشترك، وأن التقاعس عن إنشاء شبكة أزمات عربية سيؤدي إلى زيادة الأعباء على الدول والتأثير على أمنها القومي، أما انتظار وقوع الكارثة ثم بحث كيف يكون رد الفعل لوقوعها، فقد أصبج ترفًا لا نقدر عليه، يلحق بنا من الأضرار ما لا يمكن تداركه بعد فوات الأوان.


جاء ذلك خلال كلمته فـــي مؤتمر"إدارة الطوارئ والأزمات الاستعداد والاستجابة مسئولية الجميع: مجتمع جاهز"، والذي عقد اليوم "الثلاثاء" في مدينة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، بحضور محمد خلفان الرميثي، مدير عام الهيئة الوطنية الإماراتية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، وأنطونيو غوتيرس المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.


وقدم الشكر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على استضافة هذا المؤتمر الهام لمناقشة واحدًا من أكثر الموضوعات صلة بواقع المنطقة العربية .


وأبدى العربي استعداد الأمانة العامة لجامعة الدول العربية للتعاون مع الجهات المعنية في الدول العربية وتقديم كل دعم ممكن في مجال مواجهة الأزمات، وبما يسمح في النهاية بتحقيق المصلحة العربية المشتركة.


واقترح العربي لتخطي تحديات العمل الجماعي في مجال التعاون في إدارة الأزمات، صياغة بروتوكول واضح لتنظيم التعاون بين غرف الأزمات، وتنظيم لقاءات للعاملين في غرف الأزمات لتكوين معرفة مسبقة، وتنظيم تدريبات مشتركة للنهوض بالقدرة على العمل الجماعي وقت الأزمات، وتوفير الموارد المالية والتكنولوجيا الحديثة اللازمة لضمان أفضل أداء، والاستفادة من أفضل الممارسات، وتبادل الخبرات مع جهات أخرى.


وأشار إلى أن العمل الجماعي للتعاون في مجال الأزمات، يواجه العديد من التحديات ومنها: اختلاف نظم العمل والتكنولوجيا المتاحة لغرف الأزمات وأيضًا التفويض الممنوح لها، اختلاف تقدير المواقف والتحليل السياسي في ضوء اختلاف الأجندة السياسية لكل دولة، صعوبة تبادل المعلومات بصورة كاملة في إطار جماعي حيث يتم ذلك عادةً على المستوى الثنائي بين الدول، صعوبة التواصل بين غرفة الأزمات والقيادة السياسية، أو الوصول إليها بالسرعة التي تتناسب مع تطور الأحداث.


أيضًا عدم وجود رد فعل سياسي سريع يتناسب مع الأزمة، فوجود " إنذار مبكر" في بعض الأحيان لا يعني وجود "رد فعل مبكر" على المستوى السياسي، عدم المعرفة المسبقة بالشركاء الذين يجب التواصل معهم وقت الأزمة، موضحًا أنه في أوقات الأزمات، وفي حيت تقتضي الأمور سرعة التحرك، قد يقضي العاملون في غرف الأزمات وقتًا طويلاً للبحث عن الجهة المسئولة للتنسيق معها في دولة أخرى.


وأشار إلى أنه قد واجهت المنطقة العربية على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية ما يربو عن 276 كارثة، مما أسفر عن مقتل حوالي 100.000 قتيلاً، والتأثير على نحو 10 ملايين من المواطنين وجعل ما يقرب من 1.5 مليون شخص بلا مأوى.


وأضاف: لم تكن الجامعة العربية بمنأى عن متطلبات التطوير في مجال مواجهة الأزمات، فقامت الأمانة العامة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بإنشاء مركز للإنذار المبكر والاستجابة للأزمات بهدف تعزيز قدرات الأمانة العامة على مواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مشيرًا إلى تمكن الأمانة العامة في المرحلة الأولى من المشروع التي بدأت منذ عامين من الانتهاء من البنية الأساسية، وتجهيز غرفة متابعة الأزمات بأحدث الأجهزة التي تساعد في جمع وتحليل المعلومات، كما تم تدريب كوادر الجامعة وبعض الدبلوماسيين من الدول العربية علي التعامل مع تلك التقنيات وفق برنامج تدريبي متخصص في مجالات الإنذار المبكر، وفض النزاعات وبناء السلام، والتعامل مع الإعلام وقت الأزمات، وتنمية المهارات البحثية.


وكشف عن أن الأمانة العامة تهدف في المرحلة القادمة من المشروع إلى توسيع نطاق عمل مركز الأزمات ليشمل قضايا أخرى ترفع من قدراتها في مجال الإنذار المبكر، ومجالات الاستجابة للأزمات Crisis response، ومساعدة دول المنطقة في مواجهة العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والإنسانية.


وقال أنه في ضوء التحديات الضخمة، يقع على كاهل الدول ضرورة التنسيق المسبق وزيادة الاستعداد "Preparedness" للتعامل مع جميع مراحل الأزمة، بالعمل على الإنذار المبكر قبل وقوعها، أو بإدارتها بكفاءة حال وقوعها، أو باستيعابها وتخطيها وإعادة الأمور إلى حالتها الأولى، وهو المفهوم الذي درج الخبراء في مجال مواجهة الأزمات على تسميته بالمرونة وسرعة في مقاومة الأزمات "Resilience".


وأكد على الطوارئ والأزمات والكوارث في كافة أرجاء العالم أصبحت أوسع نطاقًا وأكثر تكرارًا عما كانت عليه من قبل، بحيث لا يكاد يسلم منها أي بلد من بلدان العالم، أيًا كانت درجة تقدمه الاقتصادي أو العلمي أو التقني.


وأضاف: كما أن معدلات الخسائر من جراء وقوع كارثة ما في بلد نام تفوق بكثير معدلات الخسائر المترتبة عن كارثة بنفس الحجم في إحدى بلدان العالم المتقدم، بل قد يتعذر على بعض البلدان النامية تعرضت لكوارث معينة التخلص مما لحق بها من أضرار على مدار سنوات طويلة بعد وقوع الكارثة.


وتطرق العربي إلى موضوع الاحتباس الحراري رغم خطورته، إلا أنه وحده لم يعد سببًا كافيًا لتواتر الكوارث في عالمنا المعاصر، بل يجب الاعتراف بأن هناك أوجه عدة من أوجه التقدم التكنولوجي يصعب السيطرة على ما يمكن أن يصاحب تطبيقاتها من حوادث، وتلافي ما قد يترتب عليها من أضرار.


ولفت إلى أن إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية أصبحت تحظى بأهمية كبرى نتيجة ما تتعرض له الدول من أزمات داخلية وعابرة للحدود وأحيانا ذات طبيعة عالمية تستدعي تعبئة قدراتها، مشيرًا إلى أن منطقتنا العربية تشهد أنواعًا عديدة من تلك الأزمات منها ما هو سياسي أو اقتصادي أو إنساني، ومنها ما يعود إلى الطبيعة ذاتها، وقد تعجز الدول فرادى أن تواجه الكثير منها لأن غالبية هذه الأزمات تتعدى حدود الدول.


وأضاف: تتطلب هذه الكوارث والأزمات بنية تحتية متقدمة، وخطط طوارئ تفصيلية ومحددة، يجري تحديثها من وقت لآخر في ضوء ما تتعرض له بلدان العالم المختلفة من كوارث وأزمات.


واعتبر أن فاعلية أي خطة لمواجهة الطوارئ والأزمات (كما يقر بذلك شعار هذا المؤتمر الهام) تتوقف على مدى الجاهزية في المجتمع بأكمله، بجميع أفراده ومؤسساته، ولعل الأمر قد أصبح يستوجب ثمة تغيير في الإطار الذهني الذي يجري التعامل وفقًا له مع الكوارث والأزمات.


ورأى أن الأمر يزداد خطورة في المنطقة العربية، فهي منطقة يتقاطع فيها (ربما أكثر من غيرها) ما هو دولي مع ما هو إقليمي مع ما هو وطني، مشيرًا إلى أن أخطر الممرات البحرية، وأهم المعابر الجوية في العالم تقع في داخل الوطن العربي، وكل ذلك يعني بالطبع أن الأمن القومي العربي جزء لا يتجزء من أمن البشرية جمعاء، إلا أنه يعني أيضًا أنه على جميع الأطراف المعنية احترام أمن الوطن العربي، والحرص على سلامة شعوبه، وضمان مواردها الوطنية.


وتناول نبيل العربي في محاضرته ثلاثة محاور أساسية تتعلق بالعمل الجماعي، دور الأمانة العامة للجامعة العربية في الإنذار المبكر ومواجهة الأزمات، وإنشاء شبكة أزمات عربية، والتحديات التي قد تواجه العمل الجماعي في مواجهة الأزمات.


وقال أن الدول العربية اعتمدت "إطار عمل هيوجو" في عام 2005 (وهو الأداة الرئيسية لتنفيذ الحد من خطر الكوارث)، وصدر التقريرين الإقليميين العربيين الأول والثاني عن التقدم المحرز في تنفيذ إطار عمل هيوجو للمنطقة العربية 2008/2009 و2009/2011، واعتمدت أيضًا "الإعلان الوزاري العربي بشأن المناخ" في 2007، و"الإستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث 2020" في القمة العربية ببغداد 2012، وأنشئت لجنة متابعة تنفيذ آلية التنسيق بين الأجهزة العربية المعنية بالكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ، وتم إنشاء "المركز العربي للحد من مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى" بالجزائر عام 2010.


وأشار إلى أنه في مجال المساعدات الإنسانية، استجابت الأمانة العامة سريعًا للأزمات التي مرت بها المنطقة العربية، ففي عام 2010 كانت هناك زيارة لقطاع غزة بدعم من مجلس وزراء الصحة العرب ومنظمة الإغاثة الإنسانية، وقام مع عدد من وزراء الخارجية العرب بزيارة قطاع غزة في نوفمبر 2012، كما تحركت الجامعة العربية أثناء الأزمة الليبية واندلاع أعمال العنف في 2011 على رأس قافلة ضمت 7 شاحنات مساعدات، مشيرًا إلى أن الجامعة قدمت كافة أنواع الدعم الصحي والاجتماعي إلى المتضررين من الشعب السوري في الداخل وفي دول الجوار، وتم تنظيم زيارة ميدانية إلى موريتانيا التي تواجه أوضاعًا إنسانية صعبة ترتبت نتيجة للظروف المناخية التي تؤثر على البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.


وأشار العربي إلى إدراك العديد من المنظمات الدولية أهمية الإنذار المبكر ومواجهة الأزمات، حيث قامت الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والإتحاد الأوروبي، وحلف الناتو بإنشاء أنظمة للإنذار المبكر والتعامل مع الأزمات بأنواعها المختلفة.


وأكد أن مركز الأزمات بالجامعة يستطيع استخدام الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا متابعة التطورات السياسية والاقتصادية والإنسانية في العالم بصفة عامة، والمنطقة العربية بالطبع بصفة خاصة، ورفع تقارير تحليلية بشأنها، كما توفر التكنولوجيا الحديثة من دوائر هاتفية أو تلفزيونية مغلقة الفرصة للتواصل مع جهات أخري للتعامل الفوري مع الأزمة وتبادل المعلومات.


ونوه بأن الجامعة ارتأت إمكانية استخدام مركز الأزمات بالأمانة العامة كغرفة عمليات لفريق المراقبين التابع لها خلال عملية متابعه الانتخابات، موضحًا أن الأمانة العامة نفذت بالفعل تلك الخطوة خلال الاستفتاء الذي تم على الدستور في جمهورية مصر العربية في شهر يناير الماضي، وتمكنت غرفة العمليات من متابعة سير العملية الانتخابية والتواصل المستمر مع الفرق العاملة على الأرض لتجميع المعلومات، والوقوف على التطورات أولا بأول، وتذليل العقبات التي اعترضت سير العمل، أو من خلال تزويدهم بتوجيهات تضمن سلامتهم بناء على ما يتوفر لغرفة العمليات من معلومات.


وأشار إلى أن القضايا والأزمات المعقدة تتطلب قدرة على قراءة المؤشرات الأولية التي تسبق الأزمة وتحليلها، وإعطاء متخذ القرار التصور الذي يمكنه من اتخاذ قرارات وقائية مناسبة في التوقيت الصحيح. ويستدعى ذلك سرعة الحصول على المعلومات من القطاعات المعنية بإدارة الأزمات، واجراء تقدير موقف دقيق، حتى يمكن تحقيق الاستجابة الفعّالة "Effective Response" لمواجهة لأزمات ثم التعافي منها "Recovery".


وبين أنه ظل هذه المتطلبات وعدم قدرة أي طرف على مواجهة الأزمات بمفرده، بدأت التكتلات العالمية في البحث في إنشاء شبكة عالمية للأزمات، عقدت من أجلها المؤتمرات وكان آخرها في بروكسل شهر ديسمبر الماضي حين استضاف الاتحاد الأوروبي مؤتمر رفيع المستوى بعنوان "نحو شبكة عالمية من غرف الأزمات"، شارك فيه كبار المسئولين في مجال إدارة الأزمات على مستوى العالم.


ولفت إلى أن الالتزام السياسي المتزايد لا يترجم بصورة فعالة إلى قدرات تشغيلية أو إلى توفير موارد من أجل تنفيذ الاستراتيجيات، حيث أن الأولويات تختلف من دولة إلى أخرى، وهو ما يحتم النظر في كيفية ترجمة السياسات إلى واقع ملموس يؤدي إلى تحقيق انخفاض فعلي في خسائر الكوارث من أرواح وممتلكات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في مجتمعات المنطقة العربية.


ومن هذا المنطلق، قال العربي أن الأمانة العامة تعمل - ضمن أهداف المرحلة الثانية- على إنشاء شبكة أزمات عربية تستطيع الدول العربية من خلالها التواصل بين مراكز الأزمات الموجودة في دول المنطقة.