تجديده أم تحديده.. عن الخطاب الديني أتحدث

  • 113
أرشيفية

تجديده أم تحديده
أن الأمة الآن في أشد الحاجة لتجديد خطابها الدينى, نعم، فلابد من تجديد الخطاب؛ لأن ما تمر به الأمة الآن منحنى خطير في كل شئ، في عقيدتها وسلوكها ومعاملاتها, والمفترض في هذه الأمة أنها هي من تدعو إلى التخلق بأخلاق الإسلام العظيمة التى قال فيها نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ولكن للأسف الشديد وجدنا أن أبناء هذه الإمة أو من يزعم الانتماء إليها هم أول من فرط في ذلك، وصرنا مثالا سيئا أبعد ما يكون عن الإسلام الحقيقي، وكذلك عن الخيرية التي نعتنها بها المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم بقوله:

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) أى أنتم -يا أمة محمد– خير الأمم وأنفع الناس للناس, تأمرون بالمعروف وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا، وتنهون عن المنكر وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا، وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل.

فهل نحن كذلك حقا أم أننا نداهن أنفسنا؟

إن الحقيقة أن أعمالنا وأقوالنا إنما تدل على تدني خطابنا إلى أدنى مستوياته، فيما بين بعضنا البعض وفيما بيننا وبين الناس؛ ولذلك وجب علينا تجديد خطابنا الديني.

وقد يظن البعض أن معنى تجديد الخطاب الديني هو التنازل عن الثوابت من العقيدة والعبادات والمعاملات وهذا خطأ, بل المقصود من تجديد الخطاب هو التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فنحتاج تجديد الخطاب عن العقيدة، وعن الولاء والبراء، وعن الحب في الله والبغض في الله، وعن أسماء الله وصفاته، وعن كيفية معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الخلائق، وسيرته عامرة بذلك لمن أراد أن يسلك الطريق.

ونضرب مثالا من سيرته صلى الله عليه وسلم؛ فلقد كان مثالاً عملياً على أرض الواقع:

عندما أراد صلى الله عليه وسلم الصلح مع كفار قريش وأراد كتابته، فكُتب محمد رسول الله، فقيل: لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، فقال لعلي رضي الله عنه: امحه، فرفض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله وأن كذبتموني؛ اكتب محمد بن عبد الله، فأمر علياً أن يمحوها،
فقال علي: لا والله لا أمحوها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني مكانها فمحاها.

ولما أسرت قريش حذيفة بن اليمان وأباه أطلقوهما وعاهدوهما أن لا يقاتلاهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانا خارجين إلى بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصرفا؛ نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)

قال الحسن رحمه الله تعالى : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ أحد بقرف –تهمة أو ذنب– أحد ولا يصدق أحد على أحد .

قال التويجرى: أفضل الطرق وأسهلها وأيسرها للتحلي بالأخلاق الحسنة هو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان خلقه القرآن وكان أحسن الناس خَلقاً وخُلقاً، يعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه ويحسن إلى من أساء إليه وهذه أصول الأخلاق فعلينا الاقتداء به في سائر أحواله أ.هـ

قال المواردي رحمه الله تعالى : (إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب)
فتجديد الخطاب الدينى يكون بالاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم وصحابته وتطبيقه تطبيقاً عملياً، وليس كما يقصد بعضهم بتجديد الخطاب التنازل عن الثوابت ضاربين المثل بالاستغناء عن صحيح البخاري،
ولهؤلاء نقول: هذا تحديد للدين وليس تجديد، ولنعلم نحن وأنتم
أن تأخر المسلمين اليوم عن القيادة العالمية لشعوب الأرض نتيجة منطقية لقوم نسوا رسالتهم وحطوا من مكانتها وشابوا معدنها بركام هائل من الأوهام في مجال العلم والعمل على حد سواء وأهملوا السنن الربانية فظنوا أن التمكين قد يكون بالأماني والأحلام, هذا هو ديننا وهذا هو رسولنا، وهذه أسباب تأخرنا عن قيادة العالم، مع أننا نحن الأحق بتلك القيادة على مر الزمان؛ فلذلك يجب تغيير خطابنا الديني لنظهر ديننا على حقيقتة ولنزيل الركام الذي أهلناه بأيدينا على هذا الدين العظيم الذي اختاره تعالى لنفسه فقال (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
والله من وراء القصد.