الفتنة العظيمة

  • 175
أرشيفية

الفتنة العظيمة
عن هشام بن عامر الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال »
وفي رواية:« ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال » .

وفي لفظ آخر: « ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال ، ولا من نبي إلا وقد حذره أمته » .( رواهم أحمد ، وصححهم الأرناؤوط ، وأصل الحديث في مسلم )

لذا فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ منه في كل صلاة، كما قال ابن عباس: كان رسول الله يعلمنا الدعاء كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: « إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال » ( متفق عليه )..

ترى أي فتنة ستكون هذه الفتنة ؟!

أمر عظيم جلل وفتنة يُخاف منها ولا شك ..

والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا منها
لكن ليست هذه هي الفتنة التي أريد أن أحدث – أيها القاريء – عنها !
بل إني لأريد أن أحدثك عن أمر خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا منه أشد من خوفه علينا من المسيح الدجال !

نعم !! لقد أخبرنا هو صلى الله عليه وسلم بذلك؛
فعن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ فقلنا: «بلى يا رسول الله» ، فقال صلى الله عليه وسلم: « الشرك الخفي .. أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل » ( رواه مسلم )
يا الله !
اللهم سلم سلم ..

أن تزين صلاتك لأجل ما تراه من نظر الرجل سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركاً، وخافه علينا أشد من خوفه علينا من المسيح الدجال، وذلك لأنه يتسلل إلى النفس دون أن تشعر، ويلبس الشيطان عليك أمره، أفبعد هذا الحديث تأمن الرياء ولا تخافه؟!

ألا تعلم أن من الثلاثة الذين تسعر بهم الناس أول ما تسعر: رجل قرأ القرآن ليقول الناس قاريء، فيقول الله له يوم القيامة: ماذا عملت؟ فيقول أي رب قرأت القرآن وصليت به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت؛ بل قرأت ليقال قاريء وقد قيل فيؤمر به إلى النار.


لقد حدث أبو هريرة بهذا الحديث فغشي عليه مرتين قبل أن يذكره لشُفَيّ الأصبحي، التابعي الجليل الذي رواه عنه، وقد ذكره شُفَيّ رحمه الله لمعاوية رضي الله عنه فبكى حتى قال العلاء بن حكيم « حتى ظننا أنه هالك » من شدة بكائه، ثم قرأ معاوية: « من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون » (رواه الترمذي وصححه ، وصححه الألباني) .

إن خطورة الرياء أنه يتسلل إلى العمل دون أن تشعر، بل ويلبسه الشيطان ثوب الطاعة والفضيلة، ولذا أخبر عنه النبي أنه خفي، يقوم يصلى لله فما يلبث الشيطان أن يحول نيته لغير الله.

لست ممن يعسّرون الإخلاص على الناس، ويصلون بهم إلى غياهب الشك والحيرة؛ فيجعلون الغايات التي نص عليها الشرع ورغّب في الأعمال بها من الأمور المنافية للإخلاص، نعم لست من هؤلاء، إذ لا أجهلَ ممن ظن أن الله يُرغّبنا في طاعاته بمعصيته، لكن ليس هذا مدعاة لأن تأمن هذا الأمر وقد خافه عليك النبي صلى الله عليه وسلم !


كذلك لست ممن يقولون الرياء في العمل محبط له، ويجعلونه من الشرك الأكبر؛ فالرياء إذا كان في أصل العمل كان محبطا له، وإن كان قد طرأ في أثناء العمل أحبط من العمل بقدره –على خلاف بين العلماء فيه- ، لكن ليس هذا مدعاة أيضا لئلا تعير هذا الأمر اهتمامك، أو أن تلقيه وراء ظهرك ..

فقط؛ أنا أدعوك لأن تخاف مما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأدعوك أيضا أن تحذر تلك الأفعال التي تساعد على حصول هذا الأمر، وإن كانت في أصلها مباحة ..

أدعوك –ونحن في رمضان– أن تخفي بكائك من خشية الله عن أعين الناس، وأعجب والله ممن يدخل الصلاة وهو يقول الركعة الفلانية فيها بكاء كثير ! إنه ليذكرني بقول سفيان: « إذا استكمل العبد الفجور ملك عينيه يبكي بهما متى شاء » !
أدعوك أن تهتم بصلاح قلبك، وأن تتعاهد نفسك، وأن تحاسبها؛ فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتجهزوا للعرض الأكبر .


أدعوك أن تحرص على إخفاء العمل، وعلى عبادة السر، وأن تتذكر أن من السبعة الذين يظلهم الله: « ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » .


أدعوك أن تخلص قلبك لله، وأن تتذكر أن الإخلاص هو تصفية الأقوال والأعمال من كل شوائب إرادات النفس كطلب التزين في قلوب الخلق، وطلب مدحهم، أو الهروب من ذمهم، أو طلب تعظيمهم لنفسه، أو خدمتهم إياه، وقضاء حوائجه، أو طلب أموالهم، أو غير ذلك.


أسأل الله لي ولك –أيها القارئ– الإخلاص في القول والعمل .