انخفاض سعر البترول يلقي بظلاله على المجرى الملاحي لـ"قناة السويس"

  • 208
ارشيفية

انخفاض سعر البترول يلقي بظلاله على المجرى الملاحي لـ"قناة السويس"
خبراء: على الدولة سرعة الانتهاء من المنطقة اللوجيستية.. وتأثيرات القطب الشمالي محدود
مميش: تغيير بعض السفن لرأس الرجاء الصالح غير صحيح.. ولا نية لتخفيض أسعار العبور

حالة من الجدل انتابت المراقبون والمتابعون بعد التراجع الملحوظ لدخل قناة السويس، على إثر تقارير اقتصادية صادرة من إحدى المؤسسات الدولية المتخصصة في الشأن البحري.


ذوبان الثلوج
أرجع عددًا من الخبراء هذا التراجع إلى اتجاه بعض السفن إلى الممر الملاحي الجديد في القطب الجنوبي بعد أن أظهرت صور الأقمار الصناعية عن ذوبان الكتل الجليدية واتخاذ بعض السفن العملاقة من بكين إلى أوربا ثم إلى أمريكا من خلال هذا الممر الجليدي الذي ذاب مؤخرا على إثر ظاهرة الاحتباس الحراري.

الأمر الذي أثار جدلا بين الخبراء، عن مدى تأثير الممرات الجديدة على القناة المصرية، وهل من الممكن استخدامه في السنوات القادمة؟.


قال الدكتور "رفعت رشاد"، رئيس الجمعية العربية للملاحة، ورئيس قسم الدراسات العليا البحرية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري،:"إن طريق الممر الشمالي يوفر وقتًا كبيرًا على سفن الشحن العملاقة وخاصة دول آسيا وأوربا وأمريكا"، مضيفا أن أي اكتشاف جديد أو مشروع عالمي يؤثر على الجميع إما بالإيجاب أو السلب؛ لأجل ذلك لا ينبغي لنا أن نُغمض أعيننا عن العالم وهو يتحرك من حولنا، موضحا أن هذا الممر كان دافع حقيقي للعمل على توسيع قناة السويس،وتنمية محورها، وعمل القناة الموازية لجذب السفن التجارية، لاختصار زمن الانتظار.


تأثير محدود
وأضاف"رشاد"، أن تأثير الممر الشمالي سيكون محدودًا ولن يضر قناة السويس بشكل كبير، مشيرا إلى أنه سيجذب عددا قليلا من السفن الحديثة التي تشمل أجهزة كسح وتكسير الثلوج أثناء الرحلة.

وأوضح أن التأثير الواقع على قناة السويس، سيكون من جانب بعض الدول في آسيا تحديدًا مثل الصين وروسيا، لافتًا أن دول الخليج واستراليا وجنوب شرق آسيا، ومعظم دول العالم، ستمرُّ من قناة السويس بالشكل الضروري حتى لو كان الممر جاهزًا تماما، ويعمل على مدار العام.


وألمح "رئيس الجمعية العربية للملاحة"،إلى أن الممر الشمالي كان تحديا جديدا أمام الحكومة المصرية حتى تطور من نفسها، بالإضافة إلى الانجاز الكبير الذي تحققه "قناة بنما" التي وسعّت أحواضها من 4500حاوية إلى 13 ألف حاوية بما يساوي 3 أضعاف.


وتابع:هناك تحديات بالفعل قد نواجهها في القريب، وهو إنشاء خط بري لنقل الحاويات، من ميناء إيلات على ساحل البحر الأحمر إلى ميناء أشدود على البحر المتوسط من خلال شق خط سكك حديد سريعة.


المسار الدولي
أكد الدكتور "أحمد سلطان"، خبير اللوجستيات والنقل البحري، ، أن ممر القطب الشمالي لن يؤثر على قناة السويس في شيء، موضحًا أن القناة لها حصة واضحة من حركة التبادل التجاري العالمي، لن تتأثر القناة بطرق جديدة أو قديمة،مشيرا إلى أن القناة تربط بين حركة التجارة بين الشرق الأقصى وأوروبا، ثم أمريكا، مؤكدا أنقناة السويس هي المسار الرئيسي لخطوط الملاحة الدولية، وتابع أي مسارات آخري قدرتها التنافسية مع قناة السويس تكاد تكون "صفر".

وأضاف مستشار وزارة النقل لشئون القطاع البحري الأسبق أن البعض يثير موضوع الممر الشمالي لخلق روح من الجدل والاستهلاك الإعلامي فقط، وتابع:"إن القناة بتفريعتها الجديدة قادرة على التحديات الحقيقة، وستستوعب أكبر الحاويات، والمشاريع العالمية الكبرى في وقت قريب جدا.


بدوره، أوضح الدكتور "عادل لمعي"، رئيس غرفة ملاحة بورسعيد، وعضو الجمعية المصرية لرجال الأعمال:"إن أخر التقارير العالمية حول ممر القطب الشمالي لن يؤثر على قناة السويس نهائياً، مضيفا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، حاولت عدد من الدول استخدام الممر الشمالي بعدد محدود من السفن، ولكن الأمر لم يكن بالسهولة ، مشيرا إلى أن قناة السويس بعد القناة الجديدة أصبح يمكنها استيعاب عدد غير محدود من تلك السفن، خاصة الأجيال الجديدة التي بدأت بالنزول إلى السوق ذات الحمولات 18 و20 ألف حاوية، كما أن تلك السفن كانت تنتظر نحو 24 ساعة في المتوسط؛ وهو ما ستوفره القناة الجديدة، وبالتالي لن تجد مبررا للاتجاه نحو ممرات أخرى، وطالب الدولة بسرعة الانتهاء من المشرعات اللوجستية حتى تقطع الطريق أمام الحالمين.


في سياق متصل قال المهندس "سيد حجازي"، رئيس شعبة العلاقات البحرية ببورسعيد:حضر عدة مؤتمرات نوقش فيها موضوع الممر وتأثيره على القناة، وأثبتت الأبحاث أن تاثراته محدود.


مشيرا إلى أن روسيا والدول الراعية للممر تعلم هذا جيدا، مضيفا أن فتح قناة جديدة كان ضرورة ملحة؛ حتى نواكب النظام الجديد في السفن العملاقة، موضحا أن قناة السويس خلال الشهور الماضية مرَّ بها أكبر سفن في العالم، مؤكدا على أن من يتداول الكلام حول تأثير قناة السويس بالممر لا يفقهون شيء.


وأشار إلى أن قناة "بنما" موجودة منذ قديم الزمن، ولا تأثر علينا، ولا نؤثر عليها، مشيرا إلى أن طبيعة التجارة العالمية تتجه إلى سرعة النقل، والتسليم، وزيادة الكميات، لتغطية التكلفة سواء كان في العملة أو النفط.


قال الدكتور "رضا عيسى"، باحث اقتصادي وخبير أسواق وتجارة:"إن قناة السويس ترتبط بالتجارة العالمية، ومعظم هذا التجارة لا تملك مصر التحكم فيها، مشيرا إلى انخفاض النفط، مع ارتفاع ضرائب القناة، سيجعل من السفن البحث عن ممرات أخرى توفر أكبر قدر ممكن.


وألمح إلى أن نتائج سنة 2016 تُعد من أسوء السنين التي مرت على الاقتصاد العالمي، والذي كان لمصر النصيب الأكبر من هذا الضرر العالمي، مشيرا إلى أن مصر تتأثر سلبيا من الاقتصاد العالمي سواء كان في تقدم أو تأخر، وتابع عندما تنخفض الأسعار في العالم لا تنخفض في مصر، وإذا ارتفعت في العالم ترتفع في مصر أيضا.


وأشار عيسى، إلى أن قناة السويس مورد اقتصادي خدمي للعالم أجمع، وسواء افتتح ممرات في القطب الشمالي أو العودة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، أو تفرّدّت القناة وحدها بمرور السفن العالمية، لن يكون لها التأثير الاقتصادي الحقيقي الذي يبنى دولة قوية، مشيرا إلى أن الاعتماد على قناة السويس شيء خارج إطار الإرادة المصرية، مؤكدا أن الاقتصاد الإنتاجي والصناعة المصرية ستجنبنا هذه المخاوف جميعا سواء زاد دخل القناة أو نقص.


يُذكر أن "وكالات الأنباء الأمريكية"، نقلت تقارير إخبارية، تشير إلى أن ذوبان الثلوج في القطب الشمالي يفتح طريقا جديدا للتجارة بين الشرق والغرب، بعيدا عن قناة السويس، ويختصر المسافة والتكلفة، ما يهدد عرش القناة كثيرا، عندما يوجه العالم اهتمامه نحو الطريق الجديد.


تقرير سلبي


من ناحية أخرى شكك محللين في التقرير الصادر عن مؤسسة "سيلنتل" المتخصصة في تحليلات الملاحة البحرية بشأن تراجع عدد السفن المارة عبر قناة السويس، بسبب انخفاض أسعار النفط، ولجوء شركات الملاحة البحرية إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، بدلًا من المرور عبر القناة لتجنب الرسوم الجمركية المكلفة لقناتي السويس وبنما، مؤكدين أنها لا تستند على أي معلومات موثّقة.


ونفي الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، ما تردد عن قيام بعض السفن بتغيير مسارها من المجرى الملاحي للقناة، مؤكداً عدم وجود نية لدى الهيئة لتخفيض رسوم عبور أي نوع من أنواع السفن، لأن الهيئة تقوم بدراسة السوق العالمية جيداً قبل قيامها بإعلان رسوم العبور لجميع أنواع السفن.


وخلص التقرير إلى أن "انخفاض أسعار الوقود، يعني أن السفن يمكنها تحمل تكلفة اتخاذ الطريق الأطول بسرعة أكبر، وبالتالي تستغرق الوقت نفسه الذي تستغرقه في حالة استخدام القناة"، مضيفاً أنه "إذا رغبت القناتان "السويس وبنما" تغيير اقتصاد اختيارات المسارات، فإن قناة بنما تحتاج إلى خفض أسعار العبور بنسبة 30% تقريبًا، وقناة السويس بنسبة 50% تقريبًا".


وبحسب تقرير لمؤسسة "سيلنتل" المتخصصة في تحليلات الملاحة البحرية، فإن انخفاض أسعار النفط سيسمح لسفن الشحن بتجنب الرسوم الجمركية المكلفة لقناتي السويس وبنما، وذلك باتخاذ الطريق الأطول حول أفريقيا بدلًا من عبور القناتين، وأن هناك 115 سفينة تنقل بضائع من آسيا إلى شمال أوروبا والساحل الشرقي الأمريكي، أبحرت حول جنوب أفريقيا خلال رحلة عودتها بدلًا من استخدام قناة السويس.

تعود قصة اكتشاف الطريق البحري إلى عامين ماضيين، عندما تمكنت أول سفينة شحن صينية تسمى "يونج شينج" من السفر إلى أوروبا عبر طريق القطب الشمالي، عابرة هذا الطريق الذي كان حتى وقت قريب متجمدًا بالكامل.


جاء في التقرير أن سفينة "يونغ شينغ" عبرت ذلك الطريق في 33 يوماً، فيما تستغرق نفس الرحلة عبر قناة السويس 48 يوماً، بزيادة قدرها 15 يوماً كاملة، إلا أن الخبراء يقولون إن المخاطر لا تزال تفوق نسبة التوفير.


وأضاف التقرير أن هناك حوالي "100 ميل" بحري يُمكن توفيرهم عبر المرور في المنطقة القطبية، إلا أنه عاد وأكد أن المشاكل تظهر نتيجة افتقار ذلك المكان للخرائط التفصيلية.


يرى خبراء أن هذا الطريق لا يزال غير منظم، إلا أن علماء من الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم يتوقعون أن ذوبان الجليد سوف يفتح الكثير من الفرص للشحن بحلول منتصف القرن.


ويبقى السؤال هل الحكومة المصرية توجد لديها خطة واضحة ورؤية كاملة للعالم المتغير من حاولها قبل البدء في المشاريع التنموية؟. وهل توجد دراسات حقيقة لمواكبة العالم الخارجي؟