تُعد مشاكل المناطق العشوائية في مصر أكثر القضايا المهمة، التي تهدد الأمن القومي وتؤثر على الإقتصاد؛ نظراً لما لها من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية تهدد أمن واستقرار المجتمع، وأصبحت معالجتها مطلباً مُلحاً يتطلب تضافر جميع الجهود للحد منها.
تدخل مشكلة
العشوائيات في مقدمة أولويات الحكومات المتعاقبة في مصر؛ لأنها أكبر العوائق في
الخطط التنموية للدولة،إلا أنها ازدادت حتى أصبحت كالقنبلة التي أوشكت على
الإنفجار.
قال الدكتور "محمود أبوالنجا"،خبير التنمية البشرية،:"إن
أسباب ظهور المناطق العشوائية في مصر أزمة الإسكان، وغلاء أسعار العقارات، وزيادة
نسبة السكان، وتركيز المصريين على التوسع الرأسي وليس الأفقي،وعدم اللجوء إلى
تنمية الصحراء،والتركيز على الوجود على ضفاف نهر النيل.
وأضاف"أبوالنجا"، أن الحكومة لم تتعامل مع هذه الأزمة ولم تضع
لها حلولا وخططامستقبلية،وهذا يُعد سياسة خاطئة في التعامل مع مشكلة السكان في مصر؛
الذي نتج عنه ظهور العشوائيات في كل محافظات مصر،ولجوء الشعب إلى التعدي على
الأراضي الزراعية وتبويرها، والبناء العشوائي فى المساكن القديمة.
وأكدخبير التنمية البشرية،إنه رغم الاستثمارات التي قامت بها الدولة لتطوير المناطق العشوائية،إلا أن هذا التطوير أقتصرعلى توصيل المرافق ورصف الطرق، وإهمال الجوانب "الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية" لسكان العشوائيات.
بدورها، أضافت "رحاب الشايب"، الباحثة الاجتماعية بمديرية
الإسكان بالفيوم، إنه رغم اختلاف المناطق العشوائية من حيث "المكان والمساحة
والسكان والخدمات"، فإنها تشترك فى واحدة "الافتقار إلى المرافق
والخدمات الأساسية وتدني مستوى المعيشة، وانتشار الفقر والأمية، وتدهور القيم
والتقاليد"، حيث تسودها سلوكيات اجتماعية مريضة وخطيرة تهدد استقرار الأسرة
والمجتمع، مضيفة أن مجتمع العشوائيات بيئة خصبة للسرقة، والبلطجة والإتجار فى
المخدرات، وعمالة الأطفال.
وأشارت "الشايب"، إلى أنه رغم التعامل مع مشكلة العشوائيات منذ
فترة طويلة، فأنه لم يتوافر حتى الآن لدى الجهات المعنية بأوضاع العشوائيات قاعدة
بيانات دقيقة ومتكاملة عن المناطق مما يعوق اتخاذ القرارات المناسبة بتطويرها
والارتقاء بها.
وأشار إلى ضرورة تنمية الظهير الصحراوي للمحافظات، لاستغلال مساحات جديدة وتوفير فرص للعمل، وتحديد "كردونات" المدن وتحديثها لوقف النمو العشوائى على أطراف المدن.
وأضاف أبو ليلة،إنه يجب جعل مشكلة العشوائيات في مصرمشروعًا قوميًا، و تحديد المناطق العشوائية من حيث الطبيعة الطبوغرافية، والخرائط المساحية؛ لأن نسبة كبيرة من العشوائيات مقامة على أراض تملكها الدولة.
وأشار إلى ضرورة أن يشمل هذا
التحديد حصر ما تحتاجه العشوائيات من هدم، وتخطيط وإعادة بناء على تصميمات معمارية،
تحقق شكلا حضاريا جديدا مع تحديد برامج زمنية للتنفيذ.
بدوره، قال الباحث "مجدي شهاب"، مدرب التنمية البشرية بالمركز
المصري للتنمية البشرية: "إن تطوير أي منطقة عشوائية لابد أن يُأخذ فى
الاعتبار جميع الجوانب "الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية"، وذلك
انطلاقاً من أهمية تحقيق التنمية البشرية لمختلف القطاعات.
وأضاف "شهاب"، إنه يجب تحفيز القطاع الخاص للمشاركة في تعمير
العشوائيات،ومنح رجال بعض المميزات التي تجذبهم وتشجعهم علي المشاركة.
قالالمهندس "رمزي فؤاد"، مدير إدارة التخطيط بمديرية الإسكان
بالقاهرة الأسبق:"إنه يحيط القاهرة الكبرى، حزامًا من المناطق العشوائية يبلغ
عددها حوالي 96 منطقة، يعيش بها 10 مليون نسمة، بما يزيد علي ربع سكان عشوائيات
الجمهورية،و48%من سكان القاهرة الكبرى.
وقال "مدحت عثمان"،رئيس لجنة تطوير العشوائيات بوزارة الإسكان: إنه تم رصد أكثر من 350ألف وحدة سكنية تحتاج إلى التطوير والإزالة،مشيراً إلى أن هناك أكثر من 110ألف وحدة تم إقامتها على أراضي مملوكة للدولة.
وأضاف "عثمان"، أن الدولة أعدّت خطة زمنية للقضاء على العشوائيات،
تصل إلى 10سنوات، من خلال 35 مشروعًا في 15 محافظة مصرية،ولكن العقبة الحقيقة
تتمثل في تمويل هذه المشاريع ،حيث أن تنمية العشوائيات وتدويرها يحتاج أكثر من
5مليارات جنيه.
قال "أحمد مختار"، عضو مجلس الشعب السابق عن محافظة الفيوم،:"إن
سكان الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية،
كان لهم دور كبيرفي العملية الانتخابية في عهد الرئيس المخلوع–مبارك- حيث كان يقوم
أعضاء الحزب الوطني المنحل بشراء أصواتهم في مقابل التصويت لهم ،مستغلين فقرهم
وحاجتهم للمال.
وأضاف"مختار"، أن حكومات الحزب الوطني كانت لا تعرف شيئاً سوى
قصور الأغنياء والمنتجعات، لذلك فإن نظام "مبارك" لم يلتفت إلى المأساة
التي يعيشها أكثر من 24?من سكان مصر.
وقال "أحمد الشيخ"، الباحث بالمركز القومي للسكان:"إن مشكلة العشوائيات زادت في العاصمة، والمدن، والمحافظات الكبرى؛ بسبب الهِـجرة من الريف للمدن، والتي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، وتمثلت في بحث سكان الريف عن عمل بالمدن، وخاصة القاهرة، مضيفاً أن الدولة لم تضع خططًا لتنمية المحافظات الفقيرة الطاردة للسكان.
وأضاف الشيخ، إنه كان على الدولة أن توجد خططًا عمرانية، لتوزيع السكان عبر
مساحات مصر الشاسعة في الصحراء،مع ربط هذا المخطط العمراني بالتنمية
الصناعية"، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الخبراء يقولون: "إن مصر لا تعاني
من أزمة سكانية حقيقية، وإنما تعاني من أزمة توزيع السكان".
فسكان مصر يعيشون على مساحة 5% فقط من مساحتها، فمدينة القاهرة مثلاً، من
الممكن أن تصبح مساحتها 5 أضعاف مساحتها الحالية، وذلك لو تم توزيع السكان على
المساحة.
قالت الدكتورة "وفاء عبد المنعم"، خبيرة نفسية،:"إن سكان
العشوائيات يروا أنفسهم منبوذين من المجتمع،وأنهم لا ينتمون للدولة، مضيفة أن
هؤلاء المواطنون أصبح لهم لهجة ولغة خاصة بهم،لانعدام تواصل الدولة معهم،وعدم توفير
المرافق الهامة لهم.
وأشارت "عبد المنعم"، إلى أن غياب الدولة عنهم كان السبب في ظهور
البلطجية، وتجار المخدرات، وأطفال الشوارع، والمسجلين خطر، من هذه المجتمعات، التي
يرون من وجهة نظرهم ضرورة الانتقام والثأر من المجتمع،والقصاص لحقوقهم المهدورة.