شكوى تتكرر و10 حلول لها

  • 483

شكوى تتكرر و10 حلول لها ..

بقلم - م. محمد شكري

يشتكي البعض منا في طريقه إلى الله من عدم الثبات، أو من التحول في الظاهر أو الباطن أو التحول في الخلوة دون المخالطة أو عدم الثبات على طاعة.
فكم ممن بدأ في حفظ القرآن ولم يكمل؟ وممن بدأ في كتاب من كتب العلم ثم ترك؟ وممن بدأ في قيام الليل ثم رقد؟ وممن بدأ في قراءة كتاب بعد صلاة الفجر للناس ولم يكمل أو ترك صلاة الفجر؟ وكم عزم عبد على غض بصره أو ترك معصية ما ثم عاد إليها؟

وكم وكم وكم .... كثير منا -إلا من رحم الله- هذا الرجل.

إن كان من أخطر أنواع التفلت والتقلب تفلت القلب عن الله حتى أن البعض أصبح يشعر بانفصام في الشخصية بين ما عليه قلبه وما عليه ظاهره. وإن كانت هذه ظاهرة أو قدر كتبه الله على بني آدم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسَّاء، إذا ذُكّر ذَكَر"

إلا أنه يجب أن ندفع أقدار الله بقدر الله بمحاولة الاستقامة على الغاية التي من أجلها خلقنا (العبودية) لأن العبد لو ترك نفسه دون أن يجاهدها على الاستقامة تطور به الحال من تفلت القلب إلى إدمان معاصي القلوب والخلوات، ومن ثم إلى أن يستوحش الطريق، فما عاد يتحمل غضاضة السير فيه والصبر على الغربة، ما عاد يحب تلك الوجوه، عاد يحب وجوه الدنيا الزائفة لأن قلبه مقبل عليها فأصبح يرى بعين قلبه المريض وجوها غير التي كان يراها، أصبح سيء الظن لأنه سيء القلب إلى أن يبدأ في الترخص والتساهل في الظاهر ومن ثم يبدأ في ذنوب الظاهر حتى يقع ولربما انقلب على عقبيه خسر الدنيا والآخرة.

*من الحلول المعينة على الاستقامة:
1 -معرفة فضلها واستحضاره في كل وقت
-في الدنيا:
أ- سعة الرزق، قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً} ( الجن : 16 ) أي: كثيرا، والمراد بذلك سعة الرزق. وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"أينما كان الماء كان المال" [القرطبى].
ب- الحياة الطيبة، لا بد أن يعلم العبد أن الاستقامة هي من أكبر لذات هذه الدنيا، بل هي أكبر كرامة يمن الله بها على عبد لذلك قال بعض أهل العلم: "كن صاحب استقامة، ولا تكن طالب الكرامة".
أناس كثيرون يريدون الكرامة من الله، بينما المطلوب منهم الاستقامة، وأعظم الكرامة لزوم الاستقامة،
وهناك معان في التعامل مع الله ولذات قلب لا يجدها العبد في عبودية الله إلا بترقي سلم الاستقامة.
ج- شعار أهل الإنجازات، فلا تكاد ترى أحدا من أهل العزم والمهام والإنجاز إلا وهو من أهل الاستقامة، لذلك قيل: "قليل مستمر خير من كثير منقطع". وكان النبي صلى الله عليه وسلم فعله ديمة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا أثبته.
عند الممات:
البشرى بالجنة وعدم الخوف على ما هم قادمون عليه من الأهوال، ولا يحزنون على ما تركوا من الأزواج والذرية الضعيفة.
وفي الآخرة:
-الجنة:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }( فصلت 30 )
2-الصلاة
عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصَوْا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ". إشارة من النبي إلى أن الصلاة من أسباب تحصيل الاستقامة إشارة إلى الدواء بعد الداء.
3- حفظ اللسان
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ"
فحفظ اللسان من أسباب استقامة القلب، واستقامة القلب من أسباب استقامة العبد على الإيمان، فلعل عبد ما استطاع الاستقامة بكلمة من سخط الله عليه تكلمها ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت.
4- التدرج والتوسط
في الصحيحين: "سددوا وقاربوا". فالسداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد. والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مصمما على قصد السداد وإصابة الغرض".
5-فعل ما يعلمه العبد من الواجبات
قال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}. وإن كان هذا سبب ونتيجة في آن واحد، ففعل الواجبات من أكبر أسباب الاستقامة ولربما استهان العبد بأمر واحد من أوامر الله فكان سببا في تنكب طريق الاستقامة، وكما قيل: اعمل بما تعلم يعلمك الله ما لم تعلم.
6-القرآن
فمعاهدة القرآن وتدبره من أكبر أسباب الاستقامة، يصعب أن تجد عبدا محافظا على حظه من كتاب الله وغير مستقيم، فيجب على من أراد الاستقامة أن يروي قلبه بمشاهدة الرحمة وأسماء الله وصفاته في كتاب الله، قالت تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} وقال: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}.
7-الصحبة الصالحة
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} إشارة إلى وجود الصحبة الصالحة في تحصيل الاستقامة والسعي إليها.
8-المجاهدة بصبر جميل
لا بد أن يعلم العبد أنه لن يبلغ المجد حتى يلعق الصبر، إذا عرف العبد الثمرات من الاستقامة جعل منه ذلك دافعا للصبر على مجاهدة النفس، فالكثير يريد أن يستقيم دون مجاهدة ولكن بلوغ الكمال وصعود قمم الجبال لا بد له من عزم وصبر وإرادة.
9- أن يتبع العبد السيئة الحسنة ولا يتمادى في ذنبه بعد وقعه
فلا يتمكن الإحباط واليأس من العبد لو عاد لذنبه بل لا بد من الذنب، ففي حديث أنس -رضي الله عنه- مرفوعا: " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". والله عز وجل أمر مع الاستقامة بالاستغفار من الذنب، مما يدل على أن الاستقامة قد يقع فيها خلل، وهذا أمر وارد، ويجبر بالاستغفار فقال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}. قال ابن رجب-رحمه الله -: "وفي قوله عز وجل : {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيُجبَر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها". وقد أخبر النبيصلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة، فقال : "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".
10- الدعاء:
فيجب على كل عبد أن يعلم أن المستقيم هو من وفقه الله لها فما استقام عبد من عند نفسه إنما هو فضل من الله له، ولذلك كان النبي ? يكثر من ذكر "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فلو تيقن قلبه من ذلك خرج منه الدعاء في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك".