الفرق بين البيع والربا

  • 136

نتناول في هذه المقالة مختصر الفرق بين البيع والربا، لأنه ربما تتشبه بعض الأمور على كثير من الناس، وليس الغرض الاستقصاء لأنه لا يتسع له المقام، وإنما توضيح أسس وقواعد في بيان الربا، وعلته والفرق بينه وبين البيع الحلال، ونذكر ذلك في نقاط:

1-الشريعة كاملة شاملة لكل شئون الحياة؛ ولذلك تجد آيات طوال في سورة البقرة نزلت في تحريم الربا والحث على النفقة وكتابة الدَّين، فالدِّين الإسلامي جاء لينظم شئون الدنيا والآخرة.

2-الشريعة قائمة على العدل والإحسان ودفع الظلم والفساد. {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}. فكل أمر خرج عن الصلاح إلى الفساد، وعن العدل إلى الجور؛ فلا شك في حرمته والمنع منه، وهذا ما سيتضح معنا في الربا.

3-يجب على المسلم أن يتعلم فقه الحلال والحرام، خاصة إذا كان يبيع ويشتري، فطلب العلم فريضة على كل مسلم، وجاء عن عمر رضي الله عنه "لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا".

4-من آخر ما نزل من القرآن آيات تحريم الربا، وقد غلظت الشريعة حرمة الربا، فقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}. وقد توعد سبحانه آكل الربا، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ..}. وفي الحديث "لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه".

5-الشريعة المطهرة عندما حرمت الربا جعلت بدائل شرعية؛ من البيع والشركة والمضاربة لتتحقق مصالح الناس بدون ظلم ومفاسد الربا.

6-أثيرت شبهة قديمة ذكرها الله في كتابه: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} لأن الربا زيادة في القرض مقابل الأجل، والبيع فيه زيادة في الثمن مقابل البيع والتمليك، فظنوا أن البيع كالربا.

7-وكان الجواب الرائع الوجيز {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، فالله سبحانه وتعالى حكيم عليم لا يشرع إلا بعلم وحكمة، ولا يفرق بين المتماثلين، إذن البيع ليس كالربا فما الفرق؟

8-من المعروف اقتصاديا أن المال لا يلد المال، وإنما نماء المال يأت من تحريكه وتدويره في التجارة والصناعة والزراعة.

9-ومن يحرك المال ويدوره يتعرض لاحتمال الربح والخسارة؛ لذا كانت من قواعد الشريعة أن (الربح بالضمان) و(الغنم بالغرم).

10-فلسفة أو فكر الربا قائمة على ضمان المال وزيادته، دون أدنى احتمال للغبن والخسارة في الظاهر، فالمرابي مثلا يدفع خمسا ويشترط أن ترد سبعا وهكذا.

11-يوضحه أن المرابي سواء كان فردت أو مؤسسة طالما ضمن المال والزيادة الربوية لا يلتفت في الأغلب إلى المقترض، وماذا سيفعل بالمال، هل يستهلكه أو يستثمره؟ لا يشغله لأنه ليس بشريك، فهو قد ضمن الربح مسبقا.

12-أما البائع فيعاين السلعة ويقلبها ويشتريها ويقبضها وينقلها، ثم يعرضها للبيع ينتظر منها ربحا، وتكون معرضة للتلف أو الرخص أو الموت إن كانت حيوانا. إذن البائع معرض للغبن والخسارة فإذا ربح تحققت فيه القاعدة: (الغنم بالغرم).

13-كما أن التاجر يبذل مجهودا ويحدث حركة ورواجا في السوق، وكل ذلك بخلاف المرابي.

14-إذن اتضح النماء والربح يتولد من العمل وحده أو العمل مع المال.

15-شركة المضاربة وهي من أعظم بدائل الربا، تقوم أيضا على الغنم والغرم والعدل بين الطرفين، إما يربحا معا أو يخسرا معا، فصاحب المال يدفع ماله لصاحب الخبرة والعمل بعد دراسة الجدوى وبشروط محددة والربح بينهما، فإن كانت خسارة خسر هذا ماله وذاك مجهوده.

16-لذا من مفاسد الربا أنه يدفع إلى التكاسل وترك العمل، كما يكدس المال بيد الأغنياء ويقوم على الظلم، حيث طرف يربح ولا بد والآخر في كثير من الأحيان يخسر.

17-لذا كم أفلس الربا من أفراد ومؤسسات، بل ودول {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}

18-ولما كانت الشريعة الإسلامية كاملة، تنزيل من حكيم حميد، إذا حرمت شيئا سدت الأبواب المفضية إليه، وهو ما يسمى بسد الذرائع.

19-ومن ذلك في باب البيوع، منعت الشريعة من أنواع من البيوع لأنها حيلة على الربا أو تؤدي إليه.

20-تجد النهي عن (ربح ما لم يضمن)، وعن (بيع ما ليس عندك)، وعن (بيع الطعام قبل قبضه)، وكذلك السلع كلها، كما جاء في رواية. وكما هو قول ابن عباس ومذهب الشافعي وغيره.

21-وذلك لأن السلع إذا بيعت قبل القبض والضمان وتداولتها الأيدي كان ذلك من أكبر ذرائع الربا، كما في الصحيح عن ابن عباس قال: "دراهم بدراهم والطعام مرجأ". ولما رأى أبو هريرة الناس تبيع صكاك الطعام قبل قبضه، قال لمروان: "أجزت بيع الربا."

22-وهذا الشرط بالذات -أعني القبض والضمان- مما يفرط فيه كثير من الأفراد والمؤسسات التي تتعامل بعقد المرابحة الذي أجازه بعض أهل العلم بشروط، ومن أهمها القبض والضمان قبل البيع.

23-فعقد المرابحة يقوم على وعد من طالب السلعة، ثم يقوم البنك بالشراء والقبض، ثم البيع، فلا بد أن يضمن لكي يربح وهذا فارق بين الحلال والحرام. وللأسف الكثير يتحايل على هذه الضوابط والشروط مما يوقع نفسه في الشبهات بل الحرام الصريح.

قال القرطبي رحمه الله: "والربا أحق ما حميت مراتعه وسدت طرائقه".

24-الموضوع واسع ومتشعب وإنما أردت في الأساس أمرين:

أولا: أن ألفت إلى عدل الشريعة وعظمتها في التحليل والتحريم، وأنه يدور مع جلب المصالح ودرء المفاسد، في العاجل والآجل.

ثانيا: أنبه من يتعامل في السوق لبعض الآداب والأحكام الشرعية التي يغفل عنها الكثير.

25- أخيرا أوصي نفسي وإخواني بتقوى الله، وتحري الحلال والبعد عن الحرام والشبهات. والله أسأل أن يوفقنا وجميع المسلمين للخير والصلاح.