لا تقل خلوت

  • 487

بقلم: سالم أبو غالي

أصبح أكثر شبابنا، قد تكدر خاطره، وضاق صدره، يشكو ذنوبا اقترفها، ومعاصي قد ألفها إذا غابت عنه أعين البشر.

قنواتٌ فضائية سلبت منهم الألباب، ومواقعُ إباحيّة كانت عن طاعة الله أعظم حجاب، ومشافهاتٌ إلكترونية اختبؤوا معها خلف أسماء مستعارة، فاجترؤوا على المحرمات، وتعدوا على الخصوصيات، ولربما اعتدوا على محارم رب الأرض والسماوات.

فيا مذنبا في الخلوات، ويا هاتكا للعورات وراء المخلوقات، وأمام خالق المخلوقات، فهل حقا مات قلبك؟! وجمدت مشاعرك ؟! عندما تقوم من الليل البهيم المظلم وتبدأ في تشغيل المنكرات برؤية الأفلام القبيحات، وأغلقت على نفسك الباب وبارزت رب الأرباب وكأنه ليس رقيبا عليك، وكأنه لم يقل لا تجعلنى أهون الناظرين اليك!فهل فكرت يوما في مصيرك؟! وما يحدث لك بعد رحيلك؟! هل يسرك أن تكشف عوراتك، وتظهر غدراتك، وفجراتك؟!!ألم تعلم أنك بين يديه موقوف، ويوم القيامة مسئول، وكتابك أمام الخلق منشور؟! وبين يديك صحيفة محبرة لا تغادر بلية اكتسبتها، ولا مخبأة أسررتها؟! فبأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك وعظيم جرمك؟! وبأي قدم غدا تقف بين يديه وبأي نظر تنظر إليه؟! فكم من بلية قد نسيتها قد ذكرك بها، وكم من سريرة قد كنت كتمتها قد أظهرها وأبداها، فما ظنك بسؤاله لك وهو يقول يا عبدي أما أجللتنى؟ أما استحييت مني؟ أستخففت بنظري إليك؟ ألم أحسن إليك؟ ألم أنعم عليك؟ ما غرك مني شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا سيسأله رب العالمين ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان".

فاحذر من طغيان المعصية وإلفها على قلبك وعقلك، فيخون قلبك لسانك عند الاحتضار فيختم لك بالسوء والدمار.

يقول أحد الشباب: لي صديق، مات قبل بضعة أسابيع، في حادث سير، هذا الصديق لديه مجموعة بريدية إباحية، ولديه موقع إباحي يحتوي على صور جنسية ، المصيبة أننا لا نعرف الرمز السري لتلك المواقع، نريد إتلافها ولم نستطع ، للأسف كان محمولا على النعش ومجموعته تستقبل صورا جنسية!! والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه، خاطبنا الشركة المستضيفة للموقع وكان ردهم أنهم لا يستطيعون عمل شيء!! فتخيل كم السيئات التى يجمعها في قبره وهو في أمس الحاجة لحسنة ؟!، وما أسقطه هذه السقطة إلا شهوة زينها الشيطان له فخذله في الدنيا والآخرة.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال تعالى: "وكان الشيطان للإنسان خذولا".

فلا بد أن يسأل الإنسان ربه الثبات على دينه والاستقامة على شرعه، فكم من عابد ظهرت عليه أنوارُ العبادة، وآثار الإرادة، وبدت منه مخايل السعادة، وارتفع صيته، وانتشر في الآفاق ذكره، وعظم في الناس شأنه جمحت به الأقدار جمحة ردته على عقبيه، وسلبته ما كان في يديه، وأخذت بناءه من قواعده فألقته عليه، قال صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا، إلى أن قال: "ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".

قد تكون الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة فما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه وفلتات لسانه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشَرٌّ. فمن لمح نفور الصالحين عنه وتباعد المخلصين منه فليراجع أعمال سرِّه.

ولذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه: "أوصيك بتقوى الله تعالى في سِرِّ أمرِك وعلانيته".

قال مُطَرِّف بن الشِّخّير: "إذا اسْتَوَتْ سريرة العبد وعلانيته"؛ قال الله عزَّ وجلَّ: "هذا عبدي حقًّا".

فالله الله بإصلاح الخلوات، والصدق مع رب البريات، لنجد بذلك اللذة في المناجاة، والإجابة للدعوات إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل ... خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب وَلا تَحْسَبَن الله يَغْفُل ساعةً .

وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب.

فنصيحتى لك أيها الغالي:

بعد كل ذنب اجعل قلبك يحترق من سوءتك، وتفكر كيف أن الله رزقك فتعصيه برزقه، وكساك وآواك وأمنّك يوم أن حرمه غيرك، وأدم التفكر في نعم الله، فإن وجدت حرقةَ قلبك بدأت تصل بك إلى مرحلة اليأس حينها ذكّرها أن الله غفور رحيم، وأن نبينا المشفق بأمته يقول في الحديث الشريف: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" لكن حذاري إن طفح جانب الترغيب فذكرها مباشرة بقول الله -حديث قدسي-: "وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة".

وإياك واليأس من ترك الذنب فاستعن بالله، فقد تميل أهواؤنا ضد مصلحتنا، ولكن يمكن أن نروضها لتكون سبب سعادتنا، بأن تعن نفسك الخيرة، بما ينبغي ولا تغذي نفسك الشريرة بما تريد "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"فاللهم استرنا ولا تفضحنا