اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين

  • 11480

بقلم - أحمد الفولي

دعاء علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين". رواه النسائي في الكبري*.


"يا حي يا قيوم": توسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فهو سبحانه الحي القيوم، الرحمن الرحيم، والعبد يستمد العون والتأييد من قيوميته عز وجل، كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته.


"ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين": كلمات تذكرك بشدة افتقار العبد، واحتياجه إلى مولاه وخالقه عز وجل، وأنه لا غنى له عن ربه طرفة عين في كل شأن من شئونه. وقوله: "طرفة عين": خارج مخرج المبالغة، أي: ولا لحظة واحدة.


قال الحسن البصري رحمه الله: (إن من توكُّل العبد أن يكون الله وحده هو ثقته).


يقول ابن القيم رحمه الله:-


(مِن هاهنا خُذل مَن خُذل، ووُفِّقَ مَن وُفق، فحجب المخذول عن حقيقته، ونسي نفسه، فنسي فقره وحاجته وضرورته إلى ربه، فطغى وعتا، فحقت عليه الشقاوة، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى} وقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. فأكمل الخلق: أكملهم عبودية، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"، وكان يدعو صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".


يعلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل، لا يملك منه شيئا، وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء، كيف وهو يتلو قوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلا}.

فضرورته إلى ربه وفاقته إليه بحسب معرفته به، وحسب قربه منه، ومنزلته عنده) اهـ. [طريق الهجرتين (25-26)].


ما أجمل كلام ابن القيم رحمه الله، وما أجمل الشعور بالافتقار إلى الله عز وجل وحده، وعدم اعتماد العبد على نفسه أو على أحد من الخلق، فالأمر كله بيد الملك سبحانه وتعالي، وكل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئته سبحانه وتعالى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، حتى أن الله عز وجل وجه نبيه صلى الله عليه وسلم قائلا: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}.

سبحان الله العظيم، كل ذلك لتستقر هذه المعاني في قلوب العباد، وليكون العبد على يقين وثقة في خالقه، وأن العباد جميعا مهما كان قدرهم في هذه الدنيا لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا.

فاللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

*رواه النسائي في الكبرى (10330) وفي عمل اليوم والليلة (575) و رواه الحاكم في "المستدرك" (1/730) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (112) وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/313) : إسناده صحيح ، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود.