مصر تفقد نحو 12 ألف قتيل و20 مليار جنيه خسائر سنوية نتيجة الإهمال

  • 114
ارشيفية

شهدت مصر الأيام القلية الماضية العديد من الأزمات والكوارث الإنسانية التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين الأبرياء، كان على رأسها حرق العديد من العمال في مصنع النشا بمدينة شبرا الخيمة، وقبلها بأيام قليلة غرق مركب الوراق وعلى متنه أكثر من 60 شخصًا ما بين غريق ومصاب، ثم التهام النيران لمصنع أثاث بمدينة العبور وراح ضحيته 25 عاملًا أثناء تأدية عملهم، وأخيرًا وليس آخرًا أعطال مترو الأنفاق المتكررة التي تسببت في اختناق العشرات من مرتادي رحلات المترو على إثر خروج بعض محطات الكهرباء من الخدمة متأثرة بارتفاع درجات الحرارة.


كل هذه الأمور وغيرها من المستجدات تطالب الجميع وعلى رأسهم المؤسسة الرئاسية بتفعيل إدارة متخصصة للأزمات تستطيع أن تضع حلولًا للأزمات وتوقعاتها قبل حدوثها.


وبالرغم من وجود إدارة للأزمات بمجلس الوزراء تم استحداثها في الماضي القريب، إلا أن قيامها بالدور الوقائى يكاد يكون منعدمًا وهي وباقى الإدارات بمختلف الوزارات.


أكَّد الدكتور أحمد أبو النور، أستاذ الاقتصاديات الحرجة بالجامعة الأمريكية، أن المتتبع في البلدان العربية ومصر تحديدًا هو استخدام الطرق التقليدية بالعامل مع الأزمة عند حدوثها، متمثلًا ذلك في الإنكار وسياسة التعتيم، واستخدام التماسك وصلابة الموقف، لإخماد الحرج لأقصى درجة، لامتصاص حدة الغضب الشعبي وإظهار تفاهة الكارثة أو الأزمة على أنها ضيئلة جدًّا بل قد لا تذكر ثم نفاجأ بعد ذلك بالكوارث تهبط علينا كالمصائب.


وطالب أبو النور، بضرورة إيجاد متخصصين واستحداث فريق عمل للطوارئ في صورة هيئة مستقلة، لتكون بعيدة كل البعد عن أية ضغوطات مستقبلية من أي مسئول أو جهة كانت.


بحيث تخصص هذه الهيئة لعمل الدراسات المستقبلية للحد من الكوارث كارتفاع درجات الحرارة مثلًا الذي أودى بما يقرب من 50 قتيلًا بخلاف المصابين من كبار السن والأطفال، متسائلًا: أين الوسائل الاحتياطية من هذه الأزمات والطوارئ؟


أما الدكتور صلاح هاشم، أستاذ تنمية الموارد بجامعة الفيوم، فيؤكد أن الأزمات التي شهدتها البلاد مؤخرًا وآخرها موت العشرات جراء الحر الشديد وكذلك حرائق مصنعي النشا والعبور؛ تدق ناقوس الخطر عن كارثة حقيقة تعيشها مصر، مشددًا كان من المفترض أن يكون بهذه المصانع وحدة لإدارة الأزمات والكوارث، مطالبًا الدولة بتطبيق منظومة الأمن الصناعي وتفعيل تلك الوحدات.


وأكد هاشم، أن مصر يوجد بها فعليًّا لجنة بمجلس الوزراء لإدارة الأزمات ولكنها غير مفعلة، إضافة إلى لجان إدارة الأزمات في الوزارات المختلفة لكنها تقف عاجزة ولا ترقى لوضع حلول عملية للحد من الخسائر التي تتكبدها البلاد بين الحين والآخر.


وتابع، إدارة الأزمات دورها ليس مقصورًا على التحرك عند حدوث الأزمة فقط، من خلال جهاز الطوارئ والإنقاذ، ولكن تتضمن فريق عمل للقيام بالأعمال الوقائية، وكذلك الإشراف على تصميم وقائي للمنشآت الصناعية ضد الكوارث ومن بينها الحرائق، لافتًا أن تقوم هيئة الأمن الصناعي بالتفتيش الدوري والتأكد من وجود أنابيب الأطفاء وسلالم للهروب حالة حدوث أية طوارئ، وكذلك التدريب المستمر للأفراد المكلفين بالأمن الصناعي، وكذلك العاملين في المهن الخطرة للحد من الخسائر الاقتصادية الرهيبة التي تنعكس آثارها السلبية على الاقتصاد القومي.


وقال أستاذ التنمية بجامعة الفيوم، إن لجان إدارة الأزمات موجودة في كل قطاعات الدولة تقريبًا خلال العشر سنوات الأخيرة، لكن تنقصهم الكفاءات المميزة، فالمحسوبية والعلاقات الشخصية هي من تتحكم في إدارة الأزمات في مصر.


ولفت صلاح هاشم أن إدارة الأزمات علم يدرس ويحتاج لمتخصصين وجميع المنشآت الدولية تفعل قسم إدارة الأزمات لدرء الخطر قبل حدوثه.


وأردف: أن هناك برامج تتضمنها وحدة إدارة الأزمات منها برامج الصحة المهنية، ففي وقت السلم تقام برامج للعاملين داخل المصانع والمنشآت الصغيرة، عن طريق برنامج يضعه المتخصصون في الطب الصناعي وفقًا لكل مهنة معينة بما يتوافق مع طبيعة المهنة مرجعًا مسئولية الكوارث التي تحدث جراء الحرائق لإدارة الدفاع المدني بوزارة الداخلية، لافتًا أنه لابد قبل إنشاء وتشغيل المنشأة أن يتوجه القائمون عليها لإدارة الدفاع المدني لأخذ التصاريح والموافقة، فتبدأ في معاينة المنشأة ووضع الشروط ومعايير السلامة المهنية للحرائق وأجهزة الإنذار.

قال اللواء الدكتور أحمد توفيق، أستاذ إدارة الأزمات بأكاديمية الشرطة، إن إدارة الأزمات علم يعرف بالتوازنات والتكيف مع جميع المتغيرات المختلفة، بحيث يقوم بتحديد المخاطر والتنبؤ بآثاره لمواجهته لتقليل حجم الخسائر من خلال طرح مجموعة من الحلول والقرارات العاجلة لوقف نزيف الخسائر التي فاقت 20 مليار جنيه سنويًّا وتسببت في مقتل ما لايقل عن 12 ألف قتيل سنويًّا.


وأوضح: أن أهم ما يميز الأزمة عنصر المفاجأة إذ تحتاج لحلول سريعة وفورية، والتأخر أو التباطؤ فيها يكبد المؤسسات خسائر باهظة في الأرواح والمعدات وإحداث تلفيات كبيرة جدًّا في المنشآت.
بدوره، يرى الدكتور فريد النجار، أستاذ الإدارة بجامعة بنها، أن التغلب على المشكلات والأزمات التي تهدد المجتماع والفرد يكون من خلال التقدير المنظم للأزمة، ويأتي من خلال المحافظة على الفرد وسلامة المجتمع لمحاولة تجنبها، لافتًا أن دول العالم الثالث خاصة الشعوب العربية لا تزال تعاني من الأمية في علم الأزمات، متبعة في ذلك سياسة التعتيم ودفن الرءوس في الرمال.


وشدد أستاذ الإدارة، أن السياسات الناجحة هي من تسبق الحدث لا من تتعامل مع الحدث أثناء حدوثه.


كانت مصر قد تعرضت الساعات الأخيرة لموجة من الكوارث والأزمات من بينها انقطاع الكهرباء عن العديد من المناطق الهامة، ما أدى لتوقف حركة مترو الأنفاق متأثرًا بخروج بعض محطات الكهرباء من الخدمة، الأمر الذي أصاب المواطنين بالخوف الشديد جراء تزايد حالة الاختناقات بين الركاب.
الأمر الآخر: تصريحات الصحة بمقتل أكثر من 40 شخصًا متأثرًا بضربات الشمس، إضافة لحوادث المصانع مثل مصنع الأثاث في مدينة العبور، والتي اشتعلت فيه النيران لتأتي على جميع محتوياته قبل أن تحولها إلى رماد وعلى إثر ذلك توفي 25 عاملًا وأصيب نحو 22 ويخضعون للعلاج.


وأشار أحد العاملين بالمصنع أن المبنى المحترق كان يضم مصنعين، عبارة عن 4 أدوار، بدروم، عن مصنع أثاث منزلى "خشب طبيعي كامل التصنيع"، ويوجد كابينة دهان لرش ودهان الأخشاب، وهو ما يستلزم وجود أعداد من إسطوانات الغاز، التي تسببت في إحداث موجة انفجارية أودت بحياة العشرات.


وبمتابعة الأحداث نجد أن غرق عبارة الوراق، وحرق العديد من العمال في مصنع النشا في مدينة شبرا الخيمة، وخلافه من حوادث النقل السريع والطرق وكذلك القطارات، ناهيكم عن الكوارث التي تحدث في المناطق الصناعية الأخرى وغيرها، يحتاج لإعادة النظر في تطبيق علم إدارة الأزمات حتى نستطيع إيقاف نزيف الخسائر التي تكبد البلاد أكثر من 12 ألف قتيل و20 مليار جنيه سنويًّا بوصف خبراء الاقتصاد.