• الرئيسية
  • شبح البطالة يخيم على أركان الدولة... والشباب يعتبرونها كابوسا

شبح البطالة يخيم على أركان الدولة... والشباب يعتبرونها كابوسا

  • 131
البطالة

البطالة واحدة من أكبر وأخطر التحديات التي تواجه أية دولة في العالم، وتؤثر سلبا في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية مهما امتلكت من أسباب القوة والتقدم، وتؤدى بدورها إلى عدم الاستقرار وتقلب الأوضاع السياسية فى الداخل والخارج، ومن ثم تدنى الناحية الأخلاقية لدى العاطلين عن العمل، أما إذا تخطت حاجز الـ20% من قوة العمل فحتمًا ستؤدي إلى كارثة محدقة بالمجتمع لا محالة.

ومن هنا فلابد من تفعيل الجهود على جميع المستويات للتخلص من آثارها المدمرة، وهو ما طالب به الكثيرون من الشباب والخريجين والعمال فى القطاع الخاص.

بينما اعتبر عدد من الخبراء أن البطالة بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر فى أى وقت ما لم يتم مواجهتها. فمن خلالها يمكن أن تتحقق التنمية الشاملة للدولة والحد من ظاهرة ارتفاع معدلات الجريمة التى احتلت مرتبة لم تصل إليها من قبل.

وفي مصر، تشاغل الناس عن كل شيء نظير "لقمة عيشهم"، ابتعدوا عن السياسة وارتضوا بالخوف بديلاً عن الجوع، فهم ما أرادوا إلا كفاف العيش، إلا أن الأيام لم تحمل لهم جديدا، حتى بعد خروجهم للميادين في ثورة عظيمة كان شعارها "عيش حرية عدالة اجتماعية".

نعم هي لم تكن ثورة جياع، لكن أحدا لا ينكر أن بطونًا قرصها الجوع فعبرت بالوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية عن غضبتها وشكواها إلى أن وصلنا إلى أحداث 30 يونيو، لكن الوضع لم يتحسن بل ازداد سوءًا، فالاقتصاد المصري على المحك وخطر البطالة يتفاقم في وجه المصريين البسطاء، الذين حرموا حتى من حق الشكوى بعد أن غُلقت في وجوههم الميادين فضلا عن أبواب المسئولين الذين يرفضون أن يسألهم أحد، وبالكاد يجد المصريون ما يقيم أودهم، بل ملأ الخوف قلوبهم وغزا الجوع بطونهم، وإلى الله المشتكى.

فأعداد العاطلين عن العمل تتزايد، وآلة الإنتاج توقفت وهجر العمال المصانع، وأغلق ما يقرب من خمسة آلاف ومائتى مصنع، الأمر الذى أدى فى النهاية لتوحش ظاهرة الفقر، ويهدد كيان واستقرار آلاف الأسر، ومن ثم تهديد أمن واستقرار الدولة المصرية.

وباستفحال الظاهرة قامت "الفتح" بالرصد والتحليل عن طريق الخبراء تارة، وبالحديث إلى المتضررين تارة أخرى، وبين هؤلاء وهؤلاء عرضنا الأمر على السادة المسئولين والمتخصصين حتى نقف على حجم المشكلة ومن ثم نضع لها الحلول وكيفية الخروج. البعض من الخبراء والمختصين يرجع الأمر إلى خمسينيات القرن الماضي، طبقاً للدراسة التى صدرت عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، التى لخصت أسباب المشكلة فى نظم التعليم والتدريب، والتى تعود إلى ثورة 23 يوليو من عام 1952، بإعلان مجانية التعليم دون النظر إلى الجودة أوالتميز في العملية التعليمية.

وأوضحت الدراسة أن سياسة نظام التعليم فى مصر لا تخضع لأفكار واضحة أو محددة، بل إن النظام المتبع يفسد التعليم أكثر مما يصلحه، كما أن الزيادة السكانية سبب من أسباب البطالة، إذ أصبح تعداد السكان نحو 93 مليون نسمة بحسب الإحصاءات الرسمية، دون النظر لمتطلبات سوق العمل.

ترتب على هذا وفرة الخريجين مع الوفرة العددية فى التعداد السكانى دون امتلاك أدوات إنتاج حقيقية تستوعب هذه الزيادة، ليتحول الشعب تلقائيًا إلى مستهلك غير منتج، ما أفضى تلقائيًا إلى هجرة الأيدى العاملة المدربة إلى دول عربية وأوربية.

وانتهت الدراسة إلى ضرورة التوسع فى تطبيق نظام التدريب الشامل بمراكز التدريب فى المراكز والمحافظات وحتى المدارس والجامعات، لإتقان حرف التجارة والسباكة والحدادة والكمبيوتر.

يأتى هذا فى الوقت الذى أعلنت فيه "منظمة العمل الدولية" ارتفاع معدلات البطالة بين الذكور المصريين إلى 12.5% مقارنة بـ 9.7% خلال الربع الثانى من العام الحالي من إجمالي الذكور في قوة العمل، بينما كان9.6% في الربع السابق و5.2% في نفس الربع من عام 2010. كما بلغ معدل البطالة بين الإناث في مصر 29% مقارنة بـ25% من إجمالي الإناث في قوة العمل، بينما كـان 24.7% في الربع السابق 22% في نفس الربع من عام2010.

هذا، وبلغت نسبة العاطلين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15 و29 سنة) نحو81.9% من إجمالي المتـعطلين، حيث بلغت 15.3% للفئة العمرية ما بين 20 إلى 24 عاما، و29.3% للفئة الأكبر وتزداد بارتفاع معدلات الأعمار لحملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها نحــو70.7% من إجمالـــــي المتعطلين.

وللوقوف على حقيقة الأمر دخلت "الفتح" أوكار البطالة الأولى فى مصر وهي "المقاهى"، والتى أصبحت الملاذ الآمن للعاطلين عن العمل. اقتربنا من أحد العاطلين، هو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، رفض ذكر اسمه، وسألناه: ماذا تعمل؟ وبابتسامة كأنها دمعة أجاب: "عاطل".

وبإشفاق أخبرناه عن قصدنا، وبعد صمت منه وزفير كاد يحرقنا لهيبه تحدث الشاب، أنهيت دراستي الجامعية وأديت الخدمة العسكرية ولكني مازلت أبحث عن عمل، وطال بحثي ولم أجد أية فرصة للعمل لا في تخصصي ولا في أي مجال آخر.

واستطرد بقوله: قاربت على بلوغ العقد الثالث ومازلت أعزب وبدون عمل، فمتى أجد عملا ومتى أتزوج ومتى ومتى، أبعد الثلاثين أم بعد الأربعين؟. ومرت لحظات من الصمت ثم تساءل بعصبية شديدة: ماذا عن أناس يبلغ راتب أحدهم الشهري ما يساوي تكاليف زواج عشرة بل مائة من أمثالى، أهذه هى العدالة الاجتماعية التي يزعمون أن من أجلها قامت الثورة؟.

وتابع: لست وحدي من يعاني البطالة والمشكلات الاقتصادية، لا بل هناك الملايين، وإن أردت الوقوف على الأمر فاذهب إلى "السوق" هو ليس بسوق يشترى منه الناس احتياجاتهم، بل هو سوق يُباع فيه الناس أنفسهم، إذ يصطفون في بعض الميادين عارضين عافيتهم وصحتهم لمن يرغب في حاجة تُقضى له نظير جنيهات يتمكنون بها من سد رمقهم، وما من قدم تطأ المكان إلا ويتكالب الناس عليها، يعرضون أنفسهم كأنهم في مزاد علني كلٌّ يقول أنا أنا، وبعضهم يقول أنا وبالسعر الذي تريد، بل هناك أناس يحاولون العمل ليلا ونهارا ولا يرون أولادهم إلا نياما أو يوم أجازاتهم.