نبيل العربي يدعو إلى تأسيس حوار وطني بانضمام كافة القوى

  • 127
نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية

دعا الدكتور نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية، دول "ثورات الربيع العربي" التي تشهد فترات انتقالية حالية إلى تأسيس حوار وطني واسع وشامل تشارك فيه مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كما أكد العربي أن الديمقراطية ليست موعدًا انتخابيًّا فقط كما قد يتصور البعض، ولا يقتصر تحقيقها على نتيجة صندوق الانتخابات بحيث يسمح للفائز أيًا كانت نسبة فوزه بالسيطرة الكاملة على السلطة دون أي مراقبة أو مساءلة، مشيرًا إلى أن الديمقراطية تقوم على تعزيز واحترام دور المؤسسات الوطنية الرقابية بمختلف أنواعها وأدوارها على العملية السياسية، واحترام القواعد الدستورية القانونية السارية.

جاء ذلك خلال كلمة له في مؤتمر العالم العربي والتحديات الإقليمية والدولية الذي عقد في البحرين 28 أكتوبر الماضي.

تحولات كبرى

وأضاف: "يعيش العالم العربي مرحلة تحولات كبرى منذ انطلاق ثورة تونس وما تلاها من ثورات الربيع العربي، والتي يسميها البعض انتفاضات باعتبار أنها أدت إلى إسقاط أنظمة بالية عفا عليها الزمن، جاءت إلى السلطة منذ سنوات طويلة بانقلابات عسكرية بدعوى القضاء على الفساد، ولم تنجح في تحقيق ما وعدت به".

واعتبر العربي أن هذه الثورات لم تأتِ بمشروع تغييري كامل بعد، رغم أن الهدف هو إحداث التغيير الكامل الذي تتم بلورة أسسه وملامحه في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة القديمة.

وقال: "إنه من الطبيعي أن يكون هناك الكثير من الصعاب والتحديات في المراحل الانتقالية قبل أن تتبلور ملامح النظام الجديد الذي تتم عملية بنائه، وهذه ليست بخاصية عربية"، مشيرًا إلى أن تاريخ الثورات والتغيرات الكبرى في العالم، تاريخ يشهد على حدوث أعاصير كثيرة وتحديات طالما تم احتواؤها والتعامل معها بنجاح في عملية تأسيس لنظام جديد، موضحًا أنه أمر لن يتم بين ليلة وضحاها ويستغرق عادة سنوات عديدة.

مسببات الثورة

وأكد أن هناك الكثير من عناصر التشابه بين كافة الثورات العربية، من حيث رفض الواقع المرير الذي كان قائما، والتطلع نحو الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة والتنمية والتغيير؛ لكن هناك جملة من المتغيرات تميز كل حالة عن الأخرى، ويجب أخذها بعين الاعتبار، منها: المتغيرات المجتمعية (تركيبة المجتمع)، والمؤسسية (درجة النمو من عدمه، وقوة أو ضعف أو غياب المؤسسات)، والجيواستراتيجية (أي: مدى انكشاف وجاذبية الدولة للتدخل الخارجي بسبب موقعها ودرجة مناعتها الوطنية، والقدرة على مواجهة هذا الانكشاف من عدمه).

وأضاف: تخلق عناصر مختلفة خصوصيات لكل حالة من تونس إلى مصر، إلى ليبيا، إلى اليمن، إلى سوريا حاليًا.

ولفت إلى أنه يمكن اختصار العناصر المفجرة للثورات أو الانتفاضات الشعبية بشخصنة السلطة، وإضعاف أو ضرب المؤسسات الوطنية، وخنق الحريات العامة والخاصة، وقمع المجتمع المدني ومنعه عن التعبير عن ذاته من خلال الوسائل المختلفة، وكذلك ازدياد درجات البطالة المباشرة أو المقنعة خاصة بين الشباب بسبب سياسات سوء توزيع الموارد وغياب النمو والسيطرة الكلية لأهل السلطة على الاقتصاد الوطني.

وأضاف: يؤدي ذلك ضمن أمور أخرى إلى ازدياد التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، وسقوط أو انهيار الطبقة المتوسطة، وحصول اختلال حاد في التوازن بين مختلف القطاعات الاقتصادية، وكذلك بين المناطق خاصة بين الأرياف والمدن.

شمولية الثورة

وأكد الأمين العام للجامعة العربية على أن جميع هذه العناصر ساهمت في تفجير الثورات التي لم تكن تحمل هويات عقائدية أو سياسية معينة، بل كانت ثورات ذات صفة تمثيلية وشاملة شاركت فيها الشعوب طواعية وبمختلف طبقاتها وأطيافها.

دروس المراحل الانتقالية

وقال نبيل العربي: "إن تحدي المرحلة الانتقالية يقوم أولًا على استيعاب دروس الأمس؛ وذلك من خلال رفض محاولات الهيمنة والإقصاء تحت أي شعارات عقائدية أو عناوين ومسميات سياسية أخرى، والعمل على تأسيس حوار وطني واسع وشامل تشارك فيه مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

موعد انتخابي

وأكد العربي أن الديمقراطية ليست موعدًا انتخابيًّا فقط كما قد يتصور البعض، ولا يقتصر تحقيقها على نتيجة صندوق الانتخابات بحيث يسمح للفائز أيًا كانت نسبة فوزه بالسيطرة الكاملة على السلطة دون أي مراقبة أو مساءلة، بل تقوم على تعزيز المعايير والسلوكيات التي أشرنا إليها سابقًا، وإلى تعزيز واحترام دور المؤسسات الوطنية الرقابية بمختلف أنواعها وأدوارها على العملية السياسية، واحترام القواعد الدستورية القانونية السارية.

معايير ديمقراطية

وذكر الأمين العام مجموعة من القواعد والمعايير العامة لعملية بناء الدولة الديمقراطية، أهمها: بناء دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وسيادة القانون، وإقامة نظام المساءلة، وتعزيز مفهوم المواطنة، وكذلك تعزيز ونشر ثقافة الحوار والقبول بالرأي والرأي الآخر، وعدم ادعاء التفوق الفكري والعقائدي أو امتلاك الحقيقة المطلقة تحت مسميات مختلفة دينية كانت أم مدنية.

أيضًا: العمل على بناء اقتصاد وطني منتج ومتوازن، وتوفير شبكة الضمانات الاجتماعية الضرورية لكل مجتمع بغية الحفاظ على كرامة أبنائه، كذلك الاستثمار في رفع مستوى التعليم في جميع مراحله، وفي التعليم النوعي بشكل خاص. مشيرًا إلى أن التنمية الإنسانية الشاملة المترابطة الأهداف والمتكاملة الأبعاد يجب أن تبقى الهدف الأساسي، لا بل عنوان المرحلة الانتقالية لبناء مجتمع العدالة والكرامة والتقدم والحرية.

تحديات جمة

وقال الأمين العام للجامعة العربية أن المراحل الانتقالية تتسم دائمًا في جميع الدول التي شهدت ثورات بتحديات جمة قد تكون أصعب أو أخطر في حالة من حالة أخرى؛ بسبب الاختلافات في البنى المجتمعية والسياسية الداخلية والجغرافية السياسية "Geopolitical"، لكن النجاح في مواجهة هذه التحديات يقوم دائمًا على مبدأ المشاركة واحترام التنوع والاختلاف في إطار الوطن الواحد.

وأضاف: تجربة الدول التي مرت بمراحل انتقالية مثل شرق أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989، وغيرها من الدول تؤكد أن المراحل الانتقالية تستغرق سنوات عديدة، وتتطلب إجراء تغييرات جوهرية في مفهوم وفلسفة الوعي لدى الجماهير.